للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدل الحديث على أن مدة العصر أقصر من مدة الظهر، وأن ما يكون أقصر أن لو كان الأمر على ما قال أبو حنيفة -رحمه الله-. وقال شمس الأئمة في معنى الحديث: وإنما يكون ذلك أقصر إذا امتدّ وقت الظهر إلى أن يبلغ الظل قامتين، وقال - عليه السلام -: "أبردوا بالظهر؛ فإن شدّة الحر من فيح جهنم" وأشد ما يكون من الحر في ديارهم إذا صار ظل شيء مثله، ولأنَّا عرفنا دخول وقت الظهر بتيقن، ووقع الشك في خروجه إذا صار الظل مثله أو مثليه؟ واليقين لا يزول بالشك، والأوقات ما استقرت على حديث إمامة جبريل - عليه السلام -، ففيه أنه صلى الفجر من اليوم الثاني حين أسفر، والوقت يبقى بعده إلى طلوع الشمس، وفيه أيضًا أنه صلى العشاء في اليوم الثاني حين مضى ثلث الليل والوقت يبقى بعده (١)، وأما تأويل إمامة جبريل - عليه السلام -: "صلى الظهر من الغد حتى صار كل شيء مثله" أي قرب منه، وصلى في العصر -في اليوم الأول- حين صار ظل كل شيء مثله أي زاد عليه وهو نظير قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} (٢). أي قارب بلوغ أجلهن وقال تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} (٣). أي تم انقضاء عدتهن.

وقال صاحب "البدائع" (٤): وخبر إمامة جبريل - عليه السلام - منسوخ في الفراغ، فإن المروي أنه - عليه السلام - صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في اليوم الأول، والإجماع منعقد على تغاير وقتي الظهر والعصر، فكان الحديث منسوخًا في الفراغ. انتهى.

ونقل صاحب "المبسوط" (١) عن مالك أنه قال: إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر، فإذا مضى بقدر ما يصل فيه أربع ركعات دخل وقت العصر، فكان الوقت مشتركًا بين الظهر والعصر إلى أن يصير الظل قامتين؛ لظاهر حديث إمامة


(١) انظر "المبسوط" للسرخسي (١/ ١٤٣).
(٢) سورة الطلاق، آية: [٢].
(٣) سورة البقرة، آية: [٢٣٢].
(٤) "بدائع الصنائع" (١/ ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>