للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيهما واحدة، لا اختلاف فيها ولا افتراق عليها، وكيف تختلف الطاعة من رجل بنى بأمر الله عز وجل، ثم هدم بوحى الله؟ .

فإن قلت: إن الله حوّله عن أفضل القبلتين، وأقوم الجهتين، فلا سواء فى الفضل البيّن والخير السّرّ: قبلة سلّط الله عليها الكافرين، ولم يمنعها من الظالمين، وقبلة منعها بجنود من عنده، وعصمها بغير ما حول من خلقه، ولا حرمة يدعيها أحد ممن فيها، «فأرسل طيرا أبابيل (١) ترمى الأعداء بحجارة من سجّيل. فجعلهم كعصف مأكول» فإن تقل: هذا خبر ننكره، وقول لا نعرفه، فبأىّ حديث بعد هذا تؤمن به، وتشهد لله عزّ وجل أنه من قبله؟ وأنتم تعلمون أنه أنزل الله عزّ وجل سورة الفيل على قوم أدركه منهم بشر كثير.

فإن قلت: إن محمدا صلى الله عليه وسلم خبّرهم بما عاينوه وأدركوا خلافه، نقل:

إنه أراد أن يفرّقهم عنه، ويوحشهم منه، وأحب أن يرموه بالكذب، ويقذفوه بالحمق، ويصموه بالجنون، ويظنّوا به الظنون، كلا! ما كان نبىّ ولا غير نبى ليجاهر (٢) أقواما بخلاف ما رأت أبصارهم، وشاهدت آباؤهم، فيخبرهم بخلاف ما شهدوا، وتكذيب ما عاينوا، فلا تكوننّ فى هذا من الممترين، ولا بأمر الفيل من المكذّبين.

فلعمر الله لو كان من أمر النبى صلى الله عليه وسلم ما تلحد أنت وقومك إليه، لما قام معه رجلان، ولا اختلف فيه سيفان، وإن فيما صنع الله عزّ وجل بالفيل وأتباعه، دلالة على قبلة الله وأنبيائه، فاتّق الله! فقد شرح أمير المؤمنين علامات النبى صلى الله عليه وسلم، وكشف الأغطية لك عن النور بآيات الوحى فإن مالت


(١) أبابيل: جماعات، والسجيل: الطين المتحجر، كعصف مأكول: أى كزرع أكل حبه وبقى تبنه، وقصة أصحاب الفيل مشهورة.
(٢) فى الأصل «ليجاهد» وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>