للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من آيات الكتب وبيّنات الرسل! وإن ذهب بهذا عن أمره، وباعده عن شبهه، فتؤمن أنه من نطفة خلق، ومن رحم خرج، فإن جحد وأبى ألّا يؤمن بما لا يرى فقل:

أرأيت لو كنت سميعا أعمى، أكنت تؤمن بشىء مما فى الدنيا: من سماء أو هواء، أو بحر أو سبع، أو أرض أو جبل، أو شبه ذلك، مما لم يدركه العيان، ولم يقبله إلا عن الناس؟ فإن قال نعم، فقل فهل لك إلا بالاجتماع الكفر بالرب؟ وما لدائه دواء غير الصّلب؟ فاتق الله إذ كنت إماما وقائدا لأهل ملكك، لا تقدهم إلى النار، فتحمل أوزارا مع وزرك. فإن من أبين آيات الوحى، وأدلّ علامات النبى صلى الله عليه وسلم أنه لا يبتدع فى الدين أمرا من تلقاء نفسه، ولا يتقدم فى الأمور بين يدى ربه، والله أظهر فيما أنزل من الكتاب أمورا كان يحسبها صلى الله عليه وسلم مستورة، فقال تأديبا له، وإخبارا لمن آمن من بعده: «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ» وقال: «عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى. وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى. وَهُوَ يَخْشى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى. كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ» وقال تعالى: «وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا. إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً»

وقال له حين صرف قلبه عن بيت المقدس إلى البلد الحرام، حين سكنت القلوب إليها، وأنست النفوس بها: «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ» وكانت القبلة التى صرفه الله إليها وأمره بها عظيمة على المنافقين واقعة، بخلاف الكافرين، كبيرة (١) إلّا على الّذين هدى الله من المؤمنين، فإنهم قالوا: إذا اختلفت القبلتان، وافترقت الجهتان، كانت الطاعة


(١) فى الأصل «كثيرة» وهو تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>