للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأهواء بك، وغلبت الأساقفة عليك، وحضرك الرؤساء الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى بلا حجّة عندهم، ولا سلطان أتاهم، فقل: أنبئونى عما اجتمعت عليه النصرانية، وذهبت إليه بهم المعانى، من تشقيق (١) الكلام، وتصريف الكتب: أحروف تتعسّفونها، أم لغة تعرفونها؟ فإن قالوا: إنهم بغير لغة يتكلمون، فهم إذن قوم يلعبون، وإن قالوا: إنهم يتكلمون بلغة معروفة، ومعان معلومة، فقل: أخبرونى عن قولكم: أب وابن، أهما ما تعترف العقول من المنطق، ويقع فى القلوب من المعنى، أم لا؟ فإن قالوا: لا، ليس ذلك بالذى تذهب أوهام العباد إليه، ولا بالذى تقع الحقائق فى الآباء والأبناء عليه، إنما هو كقول الله عز وجل فى التوراة لإسرائيل.

«بكرى» لا يعنى ولادة الرّحم، وكقول المسيح عليه السلام للحواريّين:

«أنتم إخوتى» لا يعنى أخوّة النّسب، فذلك قول لا يجدون معه بدّا من أن ينسبوا عيسى عليه السلام عبدا، وإن قالوا: بل هو ما تجرى به ألسن العباد، ويقع فى قلوب الخلق من الولادة المعروفة، والأبوّة المعلومة، فليخبرونا متى كان الأب والدا، والابن مولودا، أقبل الولادة أم بعدها؟ فإن قالوا: قبلها، رجعوا عن القول الأول بتثبيت الأبوّة، إلا أن ذلك ليس بالشىء الذى تذهب إليه الأوهام، ولا بالمعنى الذى يقع فى قلوب الأنام.

ولا بدّ إذا سقطت الولادة المعروفة، وبطلت الأبوّة الموجودة، أن يقولوا:

إن الأب والابن اسمان علّقا على غير معنى، ونسبان أضيفا إلى غير حق، فيقرّون أن عيسى عليه السلام خلق مثلهم، وأنهم يتكلمون بغير لغة أحد منهم.

وإن قالوا: إنما كان الابن مولودا والأب والدا بعد الولادة، فقد أقرّوا بأن الابن حدث مخلوق، وعبد مربوب، لقولهم: إنه لم يكن حتى ولد، ولم يولد حتى خلق، وقل لمن يقول الزّور العظيم، ويقذف بالإفك المبين، أليس الأب أبا على حياله


(١) شقق الكلام: أخرجه أحسن مخرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>