للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقبض النبى صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، وكيف بوقوع تهمة، أو دخول شبهة، على أقوام لبث النبى صلى الله عليه وسلم عشرين حجّة فيهم، يتلو كتاب الله عز وجل فى كل عام عليهم، حتى حملوه فى صدورهم، وحفظوه فى قلوبهم، وكرّر فى آذانهم مسموعا، وأمرّ على أبصارهم مكتوبا، وجرى على ألسنتهم متلوّا، وجمعه كثير منهم محفوظا، ثم توارثوه فيهم، وتداولوه فيما بينهم، حتى أدّوه إلينا، وأوفوا به عندنا، من مواضع متفاوتة، وأصناف وأجناس متباينة، على كلمة واحدة.

فإن قالوا: اتفقت الرجال على الزيادة فيه، وأمكنت الحال من الحمل عليه، فليعلموا أن المؤمنين المخلصين ليسوا فى الزيادة متّهمين، وأن المنافقين الملحدين ليسوا على ذلك بقادرين، وكيف يقدر القليل من المنافقين على مخالفة الجمع من المؤمنين، بعد ما حفظته قلوبهم؟ ووعته أسماعهم، ثم تكتتم القدرة لهم، وتستتر الزيادة منهم؟

هذا ما لا يقدر عليه منافق، ولا يطيقه مشرك ولا فاسق، وأيم الله أن لو قدرت اليهود على الزيادة فى الإنجيل لأفسدوا كتابكم، وغيّروا دينكم، ولو جعل الله المنافقين على الزيادة فى كتابه قادرين، لبدّلوا ديننا، وغيّروا حالنا، ولو كانوا لذلك مقرنين (١) وعلى ذلك مقتدرين، لكان الذى كتب به أمير المؤمنين إليكم، وأورده من حجج الله عليكم، أوّل ما تلقون، ورأس ما تقترفون، فلا تلقينّ إلى ما قاله المضلّ سمعك، ولا تنصت الدّهر إليه ذهنك؛ فإنه اتخذ الشّكّ فى كتابنا ذريعة إلى الإخلال بكتابك وسلّما إلى الشك فى دينك (٢)، وعلّة فى الطعن على ملّتك، ولكن قل: يا ولىّ الشيطان:

أنّى وقع لك إيمان بأنك من ولد فلان؟ أتقول شهدت الجيرة، واجتمعت العشيرة، واتفق المختلفون، فذهب الشكّ وزال الرّيب، ووقع الإيقان من غير العيان؟ صدقت فما بال الشك فيما اجتمعت العامّة على القول به، واتفقت الجماعة فى الشهادة عليه،


(١) أقرن للأمر: أطاقه وقوى عليه.
(٢) فى الأصل «فى دينه».

<<  <  ج: ص:  >  >>