للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخير يأتمرون به، ولا بشرّ ينتهون عنه، كلا! ما ترك الله على هذا خلقه، ولا بهذا وصف تبارك وتعالى نفسه، إنه لأرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين.

ولئن رجعت إلى قلبك، لتقولنّ فى نفسك: لعمر الله لو كان هذا الأمر الذى طلع طلوع الشمس، وامتدّ امتداد النهار، فبلغ مشارق الأرض ومغاربها، وسهول الآفاق وحزونها (١)، حقا وصدقا وعدلا، لبشّرت الكتب به، وتنبّأت الرسل عليه، ودعت النّذر إليه، تزبينا له، وترغيبا فيه، وأمرا به، ولو كان ضلالة وجهالة وعماية، لتقدّموا فى التحذير منه، والتزهيد فيه، والتّثبيط عنه، فيدعو ذلك إلى أن ينظروا فى كتب الأنبياء، وأقاويل الرسل، فأيم الله لئن طلبت لتجدنّ، ولئن اجتهدت لتوفّقنّ، وما الصواب بممنوع، ولا الخير بمحظور، ولقد كانت العلماء بالكتب والبصراء بالتأويل تجده، ولكنها كانت تكتمه بتحريف كلام الكتب عن مواضعه، وصرف تأويل الحكم إلى أشباهه، حسدا من عند أنفسهم، وبغيا بعد ما تبيّن لهم، ثم لقد اقتديتم بهم، وجريتم معهم، وأخذتم عنهم، بلا حجة لكم ولا قوة معكم، إلا الاقتداء بالآباء، والاتّباع للآثار، فاتّق الله فى نفسك، واتّهم الرجال على دينك، ولا تجعل النظر إلى غيرك من ذوى الشك فى القلوب، والفسخ فى ... (٢) والتّهم فى التعطيل، الذين لعلّهم يعرض لآرائهم، ويقع فى أوهامهم أن يقولوا: فلعل ما يتلو عليكم أمير المؤمنين من آيات القرآن، ويقرع لكم من حجج الوحى، شىء زيد فى المصاحف بعد النبى صلى الله عليه وسلم، وهذا ما لا يحتمله عقل صحيح، ولا نظر قوىّ، وذاك الشاكّ فى شهادات الرجال- متفقة من بلدان وأمصار مختلفة، وشعوب وقبائل متفرّقة، ليس يدعوهم إلى ما شهدوا دين، ولا يحملهم على ما اتفقوا عليه دنيا- لا يستقيم له أن يؤمن (٣) بما لم تدركه جوارحه، وتحيط به


(١) الحزون: جمع حزن بالفتح، وهو: ما غلظ من الأرض.
(٢) هكذا فى الأصل.
(٣) فى الأصل «أن يؤمن له» بزيادة له بعد يؤمن، ولا حاجة إليها بل هى قلقة فى الجملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>