احتج الله عز وجل بهم على العرب فقال عز وجل:«أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ» ولعمر الله إنها لآية عظيمة، وحجة بليغة، ذكرها الله فى كتابه وجعلها على العرب من بيّناته، فقال لهم:«قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا» يقولون: وعدنا أن يرسل رسولا، فقد أرسله، وحقّق قوله، وصدّق وعده، واحتجّ النبى صلى الله عليه وسلم بذلك وذكره، ولم يكن النبى صلى الله عليه وسلم ليجادل ويحتجّ فى أمرهم بكذب وباطل، ولم يكن ليقول للنصارى واليهود، فيما ذكر الله من صدق الموعود: إنه فى التوراة والإنجيل مكتوب موجود، إلا وهو من ذلك على حق يقين، ونور مستبين، وكيف كان يستشهد من التوراة والإنجيل بكذب، ويتقوّل عليهم الباطل، مع حرصه على تصديق أهل الكتاب، ليستدعى به إيمان أحياء العرب، أما كان يعلم أنه إذا قال لهم:
إنه موجود فى مثانى كتبهم، وسمّى على أفواه رسلهم، فلم يجدوا خبره يقينا، ولا وصفه مستبينا، أنهم سيدبرون عنه إدبارا، تزداد به العرب نفارا، إلا أن يقولوا خطأ من علمه، وهواء من خبره، فكيف لم يخطّ إذن فى كتبهم حرفا غيره، ولم يخالف منها شيئا سواه؟ سبحان الله! لقد أكثر المؤمنون العجب من ذهاب الأساقفة بكم، فأنتم إن تنكروا ما يقولون لكم، مما ليس لذى لبّ أن يأذن له أن يؤمن به، ولا أن ينبذ (١) إليه سمعه، يقولون: إن أنبياء الله ورسله، المبعوثين بالرحمة إلى خلقه، لطفت النبوة منهم، ووقعت الأخبار المنزّلة عليهم، على صغائر الأمور، وغوامض الخطوب، فسار الناس عليها، وأشاروا لهم إلى طلبها، فهى مكرّرة فى مثانى كتبهم، وبطون صحفهم، وأقاويل رسلهم، وتركوا من كلام الله النبأ العظيم والأمر الكبير، والذكر الحكيم الذى ملك آفاق الأرضين، واستفاض على جميع العالمين، لم يذكروه