للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توسّعت الأمور عليك، وضاقت المقالة، لك أن تقول: إن الله لا يبعث نبيا بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ولا وحيا ينزل غير القرآن، فأبطلت الكتب المحدثة، وأكذبت الوثيقة، ولم تترك وحيا غير القرآن، ولم يجز للنصارى أن تقول: لا نبىّ بعد عيسى عليه السلام، ولا كتاب خلف الإنجيل، وعن ذلك من أخبار الكتب ما قلنا:

كل متنبّئ بعد نبيّنا كذاب، فشاعت وجازت الحجة، ووضح العذر. وأما النصارى فيجدون فى أواخر كتبهم، وأقاويل رسلهم، أن الله عز وجل يبعث نبيّا حديثا، وينزل كتابا جديدا، فليس لهم أن يكذّبوا نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا أن يردّوا كتابنا.

فهؤلاء الثلاثة: أما الشاكّ فسقط، وأما المنكر فبطل، وأما المصدّق فثبت ثبوتا ليس فيه مدخل شبهة، ولا موضع لحجّة، ولا معلق لمنازعة، وذلك أن المنكر لوجوب حقه، والشاكّ فى ثبوت صدقه، لا يجد بدّا من أن ينحى الصدق عن الخلق، ويخلى الدنيا من الحق، وهذا قول المكذبين بربهم، الشاكّين فى بعثهم، فأحسن النّظر فى معانيه، ينكشف لك هما فيه إن شاء الله.

ومن أبين آياته وأدلّ علاماته صلى الله عليه وسلم، ووسع له فيما صدر إليه، أنه لما أخبرت النصارى واليهود أنهم لم يجدوا محمدا صلى الله عليه وسلم فى التوراة والإنجيل موصوفا مكتوبا، تجمّعت العلماء منهم، وتدارست الكتب فيما بينهم، فلما نظروا إلى اسمه، وعاينوه بنعته، وكانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ويستفتحون بذكره على من سواهم، كفرت طائفة حسدا من عند أنفسها، وجحدا من بعد ما تبيّن لها، وآمنت طائفة، تصديقا بكتابها، وخوفا من ربها.

فلعمر الله لولا أن الذين آمنوا بحقه، وصدّقوا بأمره، رأوا صفته عيانا، وقبلوا نعته إيقانا، لما فارقوا أديانهم، ولا جادلوا إخوانهم، حتى وقفوهم على اسمه ونسبه، وصفته وعلامته، وهم علماء بنى إسرائيل، وحملة الإنجيل: من أهل الكتاب الذين

<<  <  ج: ص:  >  >>