للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقررت عليها بالخطأ، لقولك: لا بدّ أن يكون الحق فى التصديق أو التكذيب، ولست على واحد منهما، اعتزل عنها.

وأما المكذّب فلمّا قيل له: أنت منكر، والمنكر ليس بمدّع، ومن لم يدّع لم يلزمه بينة، ولا يسأل عن حجة، اتبع صاحبه وأيم الله على ذلك، لو سئل هذا المدعى عن بينته، وكشف حجته، فقيل له: من أين عرف قلبك، وأيقنت نفسك إيقانا لا يخالجه شكّ، ومعرفة لا يشوبها ريب، ولا ينازعها شبهة، أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس برسول؟ لما درى ما يقول، لأنه لا يستطيع أن يتقوّل على الرسل، ولا أن يتكذّب على الكتب، فيقول: قد أخبر الله فيها أنه لا يبعث نبيا، ولا ينزل وحيا فى كتاب مسطور بعد التوراة والإنجيل والزّبور، بل قد يجد أهل الكتاب فى أقاويل رسلهم، وأخابير كتبهم، أن الله تبارك وتعالى ينزل كتابا جديدا أو كلاما حديثا، بعد خراب بيت المقدس فى آخر الزمان، ولم ينزل بعد ذلك كتابا إلا القرآن.

وأما الرجل المصدّق بمحمد صلى الله عليه وسلم فقيل له: أمّا أنت فقد ادّعيت، والمدّعى يسأل عن الحجة، وتقبل منه البينة، فما بيّنتك، ومن يشهد لك؟ فقال:

ألم تقولوا: إن الحق لا يخرج من بيننا، ولا بدّ أن يكون مع بعضنا؟ قالوا: بلى! قال:

فأية بينة أحقّ وأعدل، وأى شهود أزكى وأفضل من شهادتكم بسقوط صاحبىّ، وثبوت الحق من بعدهما فى يدىّ؟ قالوا: إن الأمر لكما تقول، ولكن البينة أشفى للصدور، فأقام بيّنة من الكتاب، وشهودا من الوحى، وآيات سوى ذلك عظاما، وبيّنات عوامّ، من كلام لا يقدر عليه الخلق، وصدق لا يكون إلا من قبل الربّ، شبيها بما أورده أمير المؤمنين عليكم، وكتب به فى صدر كتابه هذا إليكم، مما قد تشهد له قلوب الأمم، ويزكّيه فعال العرب.

فلما أقام بيّنته، وثبتت حجته، ووجب حقه، وقضى به له، قيل له: وكيف

<<  <  ج: ص:  >  >>