للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن، إلا بما عليه شاهد من برهان، ومخبر من بيان، لا يستطيع عقلك ردّا له، ولا قلبك جحدا له، وكيف ينبسط لسانك، أو يجترئ قلبك، أن يقول: إن محمدا صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه بالكذب وهم يعلمون، فاقتصّ عليهم من أمورهم ما لا يعرفون! لا، ما يسوغ لك ولا يجمل بك، ولا يقبل منك أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقوله من تلقاء نفسه، كيف! أما كان يخاف أن يكذّبه أصحابه، وتتنقل أحواله، وتنتقض أموره! لعمر الله لو وصفت بهذا من لا يعرف بفضل، ولا ينسب إلى عقل لما كان سائغا لك، ولا جائزا منك، فكيف تصف به من يرفع عن الناس قدره، ويفضل عليهم عقله، وتقرّ أنك لم ترفى الدنيا أحدا صنع ما صنع، وبلغ ما بلغ، فأيّتما آية فيما اقتصّ عليك أمير المؤمنين أعظم، أو بينة أعجب: أما كان يتلى على المؤمنين فى الكتاب من اجتماع قبائل الأحزاب بجنود عظيمة قبل اجتماعهم سنين كثيرة، أم ما كان (١) ينادى به القرآن من الهزيمة لهم، وينطق به الوحى من الفتح عليهم، أم قول النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «إن الله عز وجل يؤمّن خوفكم ويعزّ نصركم على الأمم» وهو على تلك الحال، ثم نجمت الأمور على ما قال، أم عسكران متطابقان، وجيشان متقابلان، باتت الريح تحوش (٢) أحدهما حتى انهزموا، وبات الآخرون منها فى عافية وغفلة حتى أصبحوا، فأحسن النظر فى أمرك، والتثبت فى دينك إن شاء الله.

واعلم أن من أعظم الآيات، وأبين الدّلالات على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وحقّه، وأن ليس يتقوّل شيئا من تلقاء نفسه، أنه قال فى عنفوان أمره: «إن الله عز وجل سيظهر دينى على الدين كله» وجاء مع ذلك بأثرة عن ربه، فى كتاب مخطوط، وتنزيل محفوظ، فأىّ أمريه (٣) لك أدلّ، أو أيهما عندك أعجب؟ إذ كنت


(١) فى الأصل «أما كان».
(٢) حاش الصيد: جاءه من حواليه ليصرفه إلى الحبالة، وحاش الإبل: جمعها وساقها.
(٣) فى الأصل: «فأى أمر بذلك».

<<  <  ج: ص:  >  >>