للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضنك من الحال، مقهورين مقموعين (١)، وقالت الخاصة من المؤمنين حين عاينوا الجموع من المشركين، وذكروا ما خبّرهم الله من تحزّبهم عليهم، ومسيرهم إليهم:

«هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً» فبينا أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى مضابق تلك الحال، وشدة ذلك الخصال (٢)، وعموم تلك البلايا الباهظة، والأمور الفادحة، التى قد أخذ بأنفاسهم غمّها، وبلغ مجهودهم كربها، رافعين إلى الله عز وجل أيديهم، يقلّبون فى السماء أعينهم، إذ أرسل الله على تلك الجنود الكثيفة، والجموع العظيمة، والأحزاب المقتدرة، ريحا من الأرض، وجنودا من السماء، فقطعت الأبنية، وطيّرت الأمتعة، وسفت التراب فى العيون، وقذفت الرعب فى القلوب، فولّوا مدبرين، وخرجوا منهزمين، لا يلوى (٣) والد على ولد، ولا مولود على أحد، أمر صدق الله فيه قوله، وأنجز به وعده، وهزم الأحزاب وحده، وذكّر المؤمنين نعمته فيهم، وعرّفهم منّته بهم، فقال: «اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا» وقال عز وجل: «وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً» ما كان الله عز وجل ليقتصّ على المسلمين فى أنفسهم إلا ما قد رأوه بأعينهم.

لولا أن هذا ما لا ينكره عقلك، ولا يدفعه نظرك، لما جادلتك بالكتاب، ولا نازعتك بالتنزيل، وإنى لأترك من آيات النبى صلى الله عليه وسلم وعلامات الوحى، ما هو أعظم من هذا وأبين، وأجلّ وأوضح، ولكن ليس لى أن أحاجّك من آيات


(١) أى مقهورين مذلولين.
(٢) خصل القوم خصلا وخصالا: نضلهم.
(٣) أى لا يقف ولا ينتظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>