للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصف لهم حالهم، وأذكرهم فعلهم، ولم يكن النبى صلى الله عليه وسلم ليصف لهم عن الله ما يجهلون، ولا ليذكّرهم من أمره ما لا يعرفون، حذارا أن تنكسر عزائمهم، وتتغيّر بصائرهم، فتنهزم أفئدتهم، وتموت نجدتهم، وتختلف كلمتهم، فقال الله عزّ وجل: «إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً» حتى قالت طائفة منهم لأهل المدينة: «يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا» وقالت طائفة أخرى: يا رسول الله، إن بيوتنا عورة (١) فأذن لنا، يقول الله تعالى:

«وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ، إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً» فبيناهم على تلك الحال قد أجمعت العرب تفريقهم فى الجبال، وتقسيمهم بالقداح (٢)، وأخذهم بالأيدى، إذ قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ينبئهم به من علم الغيوب، ويبشّرهم به من أمر الفتوح، «إن الله سينصركم على جمع الروم، ويغلب لكم جموع فارس، فيهزم لكم جنودهم، ويورثكم قصورهم، ويستخلفكم فى الأرض من بعدهم، ويبدلكم من بعد خوفكم أمنا» وعدا صدّقه الكتاب، وبشارة نطق بها الوحى، فقال: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً، يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً» فقال أقوام وأناس ارتابوا حين تضايقت الحال، وتزلزلت الأقدام، وطارت القلوب، ودارت العيون، وأشرف الموت: «ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً» أيعدنا هزيمة جموع الأحزاب، وفتح قصور الشام، وغلبة جنود كسرى، وقد سالت القبائل علينا من كل جانب، وأحدق الموت بنا من كل مكان، فبقينا فى مسغبة (٣) من الجوع، ومجهدة من الخوف،


(١) أى يخشى عليها لأنها غير حصينة.
(٢) القداح: قداح الميسر، والمعنى: يتقامرون (أو يتآمرون) على تشتيتهم وتمزيقهم.
(٣) المسغبة: المجاعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>