للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقرّبين، وهزيمة نفير المشركين التى نجمت الأمور عليها، وتناهت الحال بهم إليها، أم قبضة من تراب يسير، ما ملا المناخر من عدد كثير؟

فلئن قلتم: إن هذه آيات بيّنات، وعلامات واضحات، ولكنا لا نقرّ لكم بها، ولا نؤمن بقولكم فيها، أفتؤمنون أن محمدا صلى الله عليه وسلم، مع ما نسبتموه من الفضل إليه، كان يختلقها كذبا من تلقاء نفسه، ثم يدّعيها وحيا من عند ربّه، وهو لا يدرى لعلّ الأمور تقع بخلاف ما يقول، فيظهر كذبه، ويرفضّ تبعه.

ويزعم أن أصحابه كانوا كثيرا أقوياء، نشاطا جلداء، فكان على معرفة بقوّتهم ويقين من غلبتهم، فقد قال الله عزّ وجل: «وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ. يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ» ولم يكن الرسول ولا غيره ليخبر أصحابه من أمورهم بما يجهلون من أنفسهم، ثم يدّعى ذلك تنزيلا من ربهم! هذا لا تقبله الآراء، ولا تقرّ به الحكماء، ولا يحدّه النظر.

أم تقولون: إنما أراد محمد صلى الله عليه وسلم ببشارته لهم، وإخباره ما أخبرهم من هزيمة الله عدوّهم، أن يشجّع جبنهم، ويقوّى ضعفهم، فكيف إذن لم يثق (١) لما كان يرى من كثرة المشركين وقوتهم، وضعف المسلمين وقلّتهم- بظهور الأنباء على خلاف قوله، وأن يحتال؟ ؟ ؟ (٢) الخبر على غير ظنه، فيقع ظفر يكذّب نبوّته، ويقطع حجّته، ويكون له ما بعده؟ وكيف إذن لم ينسب الأمر إلى نفسه، وينحّى الخبر عن ربه، ليكون الخطر أصغر، والشأن أيسر، إن جرت الأقدار بما يحذر، أو وقعت الأمور على ما يكره؟ ولكنه أثبته فى كتاب مسطور، ورقّ (٣) منشور، فعل لعمر الله يدل على النبوة التى كان بها واثقا، ويهدى إلى الوحى الذى كان إليه ساكنا.


(١) فى الأصل «يبق» وأراه مصحفا.
(٢) هكذا فى الأصل ولعله «يجىء».
(٣) الرق: جلد رقيق يكتب فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>