للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّ فى قولهم الآن لأعظم نور وبيان، وأبين من ذلك لكم، وأصحّ لمن عقل إن شاء الله منكم، إخبار الله عزّ وجل حين جعلت الكواكب حفظا من كل شيطان مارد أنهم «لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً (١) وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ» مع إخباره فى الحال الأولى أنهم يسمعون ويقعدون وينزلون ويستطيعون ويتلون على ملك سليمان، فكن لهذا من الحافظين، وفيه من المفكّرين.

ومن آيات النبى صلى الله عليه وسلم أنه لما نفرت القبائل من أعلام الشرك بجموعها، وتداعت القادة من صناديد الكفر بأتباعها، حذرا على عير (٢) لها أقبلت من الشام، بصنوف رغائب أموال عظام، فكانت العير والنّفير طائفتين: طائفة ذات عدّة كثيرة وشوكة شديدة، وطائفة ذات أموال رغيبة ورجال قليلة، وفرصة ممكنة، أخرج الله عز وجل نبيّه صلى الله عليه وسلم ووعده ومن معه من المسلمين إحداهما، فكره المؤمنون جموع المشركين، وأراد الله عز وجل أن يقطع دابر الكافرين، ويشيّد بذلك أركان الدين، فلما تراءت الفئتان، وتناوشت الفرسان، وتلاقى الناس، وقبل ذلك ما قال الله عز وجل: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ» قبض النبى صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب، حثاها فى وجوههم، فلم يتناه دون مناخرهم وعيونهم، فانصرفوا منهزمين بلا كثير قتال من المسلمين، يأهل الكتاب فأيّتها آية أعظم حجة، وأوضح بينة، وأقهر غلبة من هذه التى لو صدرت الأمور بلا تحقيق لها، لانفضّت الجموع من المسلمين كفّارا بها، أبشارة الله المسلمين بأمداد الملائكة


(١) الدحور: الطرد والإبعاد والدفع- واصب: شديد.
(٢) العير القافلة، أو الإبل تحمل الميرة، بلا واحد من لفظها، يشير إلى عير قريش التى أقبل بها أبو سفيان بن حرب من الشأم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو بالمدينة) قد تحين رجوعها من الشأم إلى مكة، فندب المسلمين للخروج معه بغية الظفر بها، ولما علم أبو سفيان أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضون، له ساحل بالعير، وبعث إلى قريش أن محمدا وأصحابه معترضون لكم فأجيروا تجارتكم، فأدركتهم حميتهم ونفروا سراعا، وكان من وراء ذلك غزوة بدر الكبرى كما هو مشهور، والنفير: القوم يستنفرون للحرب، وهم هنا مشركو قريش الذين خرجوا يستنقذون العير، وكان رئيسهم عتبة بن ربيعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>