للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا ليالى ملئت السماء من الشّهب، وبالله لو ادّعيتم غير ذلك فكان حقا، وكانت القالة منكم صدقا لما كانت الدعوى بناقضة لآية النجوم حجّة، ولا مدخلة على أحد فيها شبهة، لأن رميا يقع فرط السنين من الكواكب، لا يبطل رجما قد ملأ السماء من كل جانب، ثم لو لم تكن النجوم آية دامغة (١)، وحجة بالغة، ودلالة قاهرة، وعلامة باهرة، وأمارة ظاهرة، وشهادة قاطعة، وبيّنة عادلة، وداعية قائمة، تبطل أظانين المشركين، وتردع أقاويل المنافقين، لما كان النبى صلى الله عليه وسلم، ليعظّم أمرها، ولا ليكرّر فى آى القرآن ذكرها، رهبة لمناهضة أحياء العرب، ومعرفة بمجادلة إخوان الكتب، الذين لو وجدوا فيما كتب به إليك أمير المؤمنين من أمر النجوم، واحتجّ به عليك من ذكر الرّجوم، موقعا لظنّ، أو معلما بطعن، أو مغمزا لقول، لناصبوه إذن بالمجادلة، وكاشفوه بالمنازعة، وجاهروه بالقول الذى لا يستطيع له ردّا، ولا يطيق له جحدا، ولكنها آيات ملأت الأفطار كثرة، وحسرت الأبصار قوة، قد وجّلت العقول، وولهّت القلوب، وملأت النفوس جزعا ووجعا، وفزعا شغلهم عن الأولاد، وأذهلهم عن البلاد، حتى بلغ أمير المؤمنين، وتقرّر عند فقهاء المسلمين أن الله عز وجل لما ملأ السماء حرسا، وأحدث لها رصدا، وخلق فيها شهبا، ذكرت العقلاء من العرب وقعات الله عز وجلّ فى الكتب بقوم نوح وعاد وثمود وأشباههم من مؤلّفى تلك الجنود، الذين كانوا أشدّ بطشا، وأكثر جمعا، فانفرجت أيديهم عن كرائم أموالهم، وأرسلت أنفسهم متائن عقدهم، وإن أهل الطائف لمّا فعلوا ذلك بأموالهم، وأجمعوا فيه الخروج إلى فقرائهم، قام فيهم رجل منهم ذو سنّ وعقل فقال: يا معشر العرب، لا تهلكوا أنفسكم قبل أن تهلكوا، ولا تخرجوا من أموالكم قبل أن تخرجوا، تفقّدوا مواقع نجوم السماء، وكواكب بدور الدّجى، فإن كانت النجوم التى حدث الرمى بها، والنجوم التى أخليتم الأموال


(١) فى الأصل «دافعه» والمعنى عليها صحيح، ولكن يظهر أنها «دامغة».

<<  <  ج: ص:  >  >>