للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجهل فى أنفسكم، كثير لا يحصيه أحد، ولا يبلغه عدد، وأمير المؤمنين واصف بعضه لكم، ومورد ما حضر كتابه إن شاء الله لكم، وايم الله على ذلك لو قالت العلماء من المسلمين: هبوا محمدا صلى الله عليه وسلم كان فى أمر النجوم من المخطئين، فكيف أخطأت العرب، وهفت الأمم فى ترك مجادلته، ورفض منازعته؟ وكيف لم تقل العلماء من إفتائه (١) والحكماء من حكمائهم، توبيخا منهم له، وتعييرا لمن آمن معه: هذا أمر من أوضح الأكاذيب، وأبطل الأباطيل، فلا يثبت مع قولهم إيمان، ولا يقيم على شرحهم إنسان. فإن قلت: فلعل ذلك قد كان، ولكنه درج (٢) على طول الأزمان، فكيف إذن صدّقت العرب بنبوّته، ولم تكفر القبائل برسالته، وهم يسمعون كذبا لا ينفع معه صدق كان قبله، وباطلا لا يعصم معه حقّ حدث بعده؟ وإن قلتم: أدخلهم بالقهر، وضبطهم بالقتل، وأكرههم بالسيف، فما بال القليل من المسلمين الذين قهرهم الكثير من المشركين، ما بالهم آمنوا وصدّقوا، وصبروا وصابروا وجدّوا وجاهدوا، كيف لم تنكسر عزائمهم، وتهن (٣) بصائرهم، ويرجعوا إلى دينهم، ويهربوا عن توحيدهم؟ كلا، لو كان الأمر على ما تقول لارفضّ (٤) القوم عن الرسول، ولكان صلى الله عليه وسلم أول مقتول أو مخذول، فأحسن النظر فيما تذهب الأهواء برأيك إليه من آيات النبى صلى الله عليه وسلم، وإن جمحت الدّعوى بكم، فقائل- قد مالت به الأهواء فى الباطل- فقال: إنه إلّا يكن الأنبياء ذكرت النجوم فى صحفها، بيّنت الحكماء منها ذكرا فى كتبها، فجعلت المنقضّ من الكواكب بين الأعوام، دليلا على أمر يحدث تلك الأيام، ولا ما هذا الاختلاق، يلطّ به الجاهل للفسّاق (٥)، ما إن وضعت الحكماء ذلك فى الكتب


(١) هكذا فى الأصل.
(٢) أى انقرض وفنى.
(٣) أى تضعف.
(٤) أى تفرقوا عنه وذهبوا.
(٥) هكذا فى الأصل، ولط بالأمر كضرب: لزمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>