للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولهم فى الخطّ وإكثارهم فى الكتاب، فإن الله عز وجل جعله أمّيّا ليثبت حجّته، ويصدّق مقالته، ولئلا يشكّ المبطلون فى أمره، ويقولون: تعلّمه من غيره.

فإنه قد قال ذلك بطائن من منافقة العرب، وطوائف من كفرة العجم، فنطقت به الأعداء من جيرته، والحسدة من عشيرته، الذين بلغوا [ما بلغوا (١)] من مجادلة حقه، ومخاصمة ربه، كفاة لمن قرب، ووكلاء لمن بعد، فيما لم تكن العرب واقعة عليه، ولا الأمم مهتدية إليه، لأنهم (٢) قد أحاطوا من علم خبره وخفىّ أثره، بما كان عن غيرهم محتجبا، ومن سواهم مكتتما، وقالوا: لو كان محمد صلى الله عليه وسلم يتعلم من بشر، أو يختلف إلى أحد، لما خفى عنا، ولسقط علينا (٣)، وحقا لو كان محمد صلى الله عليه وسلم يختلف إلى أحد صغيرا، أو يتعلم من بشر كبيرا، لعرف ذلك أترابه المختلفون معه ورفقاؤه والمقتدون، ولما جهل ذلك من حوله من جيرته نصرة، ولا من معه من أهل بيته دنية، الذين عليهم يورد ومن قبلهم يصدر، ولكان شائعا عند حشم معلّمه وجيرة موضعه الذين كان يختلف إليهم، ويتأدّب بين ظهرانيهم، ولو كانوا بذلك عالمين، أو فيه من أمره شاكّين، ثم بلغهم وتقرّر قبلهم أنه يقول: إن الله عز وجل أوحى إليه فيما أنزل من الكتاب عليه: «وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ» لخاصمه منهم من كفر، ولكفر به منهم من آمن، ثم يدّعى ذلك قرآنا، وينتحله وحيا. أما كان يرهب أن ينتشر فى الأقربين ويخرج إلى الأبعدين، فتبطل حجته، وتنتقض دعوته، وتسقط نبوته، وينفر أصحابه الذين لم يصبروا (٤) معه فى المجاهدة أنفسهم، ويبذلوا عند الشدائد مهجهم، وينفقوا فيه- على الحاجة- أموالهم، مناصبين (٥) لأهل الشرق والغرب والعجم وكل الأمم، وهم قليلون مستضعفون عائلون جائعون، لا طلبا لدنيا، ولا طمعا فى منال، إلا لما


(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) فى الأصل «إلا أنهم».
(٣) فى الأصل «ولا سقط».
(٤) صبر نفسه: حبسها.
(٥) أى معادين.

<<  <  ج: ص:  >  >>