للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف والجموع الكثيرة تصدر عن الأطعمة اليسيرة، والمياه القليلة شباعا رواء أيكون ذلك والسحر سواء؟ والأخذ بالعيون لا يجرى فى البطون، ولو كانوا ينظرون لدينهم وينصفون من أنفسهم، لعلموا أن أمر الساحر يدور على إفك وغرور، وأن لمحمد صلى الله عليه وسلم آثارا قائمة، ومنافع داثمة، ثم لو كانت الكهانة والسحر يبلغان مثل هذا من الأمر، لبطلت آيات الكتب، وعلامات الرسل، ولعلت الشّبهة، وسقطت الحجة، وكذبت النبوة، ولبطل ما كان يفعله عيسى عليه السلام:

من إبرائه الأكمه (١) والأبرص وإحيائه الموتى، فلا يكوننّ التقليد للرجال مبلغ علمك، ولا القبول لدعواهم بلا بينة.

ومن ذلك أنه إذا قالت البصراء من أمتنا والعلماء بملّتنا: كان النبى صلى الله عليه وسلم أمّيا لا يحسن الكتاب، وحافظا لا ينسى القرآن، وقلما يجتمع العقل السديد والحفظ السريع والنسيان البطىء، قالوا: كان أخطّ الناس يدا، وأذكاهم حفظا، كان يكتب بالنهار، ويدرس بالليل.

ولعمر الله أن لو كانت الحال كما يقولون، والأمر كما يصفون، لما خفيت الصّحف له، ولا اكتتمت الدراسة عليه، ولما كان يطيق سترها عن أهله، ولا حجابها دون قومه، وكيف تؤمن القلوب، وتقرّ العقول، أن رجلا كبيرا حمل علما كثيرا، وحكما جمّاء: من آيات متشابهة، وسور متوالية، وهو صاحب أسفار مترامية (٢)، وأخو حرب دائمة، لا يبطئ لفظه، ولا يسقط حفظه؛ لولا (٣) أن الله عز وجل كفاه أن يحرّك به لسانه، وضمن له جمعه وقرآنه، فقال عز وجل: «سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى» فلم يكن يسقط واوا ولا ألفا، ولا ينسى كلمة ولا حرفا، ما أبين هذا وأعجبه! وأعجب منه المنكر له!


(١) من ولد أعمى.
(٢) فى الأصل «متراخية».
(٣) فى الأصل «ولا يسقط حقه، ولولا أن الله».

<<  <  ج: ص:  >  >>