للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودينكم الذى تنتحلون، لمّا صدقتم أنفسكم، وتجنّبتم الهوى عنكم: أتؤمن قلوبكم، وتقرّ عقولكم، ويحتمل نظركم أن محمدا صلى الله عليه وسلم الذى وصفتموه بكمال العقل، وبيان الفضل، ورفق التدبير، كان يقول لرجالات العرب، وجماعات الأمم، ودهاة قريش: إن من آيات نبوّتى، ودلالات رسالتى، وعلامات زمانى، أن الشياطين ترمى بنجوم السماء، ولم تك ترمى بها فيما خلا، ثم يجعل ذلك كتابا يقرأ، وقرآنا يتلى؛ وهو كاذب فيما تلا، ومبطل فيما ادّعى، إبطالا تدركه عيون الناظرين، وكذبا يظهر لجميع العالمين، فسبحان الله! أرأيتم أن لو كان فيما قال من الكاذبين، وعلى ما ادّعى من الآثمين، ثم حاول إبعاد القلوب، وإنغال (١) الصدور، وإنفار النفوس، وتفريق الجموع، أكان يزيد على ذلك؟ .

فيا أهل الكتاب، لا يحملنّكم الإلف لدينكم على اللّعب بتوحيدكم، فلعمر الله لئن تداركتم أنفسكم، وناصحتم نظركم، لتعلمنّ أن محمدا صلى الله عليه وسلم لو حاول الكذب، أو رام الإفك، لما كان يترك جميع الأرض، وما يغيب عن بعض الخلق ويظهر لبعض، ويقصد للسماء المتصلة بالبصر، البارزة للنظر، التى لا تخفى على بشر، ولا تغيب عن أحد، فيدّعى فيها كذبا ظاهرا، وإفكا بارزا مكشوفا، لا يبقى صغير ولا كبير، ولا ذكر ولا أنثى، إلا عرف أنه إفك وزور، وكذب وغرور، ولا سيّما إذا كان يلقى ذلك إلى أقوام أكثرهم أعراب، ليس بينهم وبين السماء حجاب، إنما يراعون الكواكب، ويتفقّدون الغيوم، فأبعد عهد آخرهم بها تفقّده لها، ونظره إليها ساعة أو ساعتين، أو ليلة أو ليلتين، لعمر الله لو عثرت العرب من أمر النبى صلى الله عليه وسلم على كذب، لكان أول من يواثبه به ويجادله فيه، أعداؤه من قريش عامّة، وحسّاده من جيرته خاصّة، ونظراؤه من أهل


(١) الإنغال: الإفساد. وأصله من نغل الأديم كفرح: إذا فسد فى الدباغ. وأنغله: أفسده.

<<  <  ج: ص:  >  >>