وثبت النهي عن القراءة خلف الإِمام عن عشرة من الصحابة.
قال الشعبي: أدركت سبعين بدريًّا، كلهم يمنعون المأموم من القراءة خلف الإِمام.
واستدلَّ الشافعية ومن وافقهم: بحديث عبادة بن الصامت الذي معنا، وأجابوا عن حديث:"من صلي خلف الإِمام، فقراءته قراءة له" بما قاله ابن حجر من أنَّ طرقه كلها معلولة، لا تقوم بها حجة، وأما الآية والحديث:"وإذا قرأ فأنصتوا" -فهي عمومات تصدق على أي قراءة، وحديث عبادة خاصٌّ بالفاتحة، والدليل الخاص يقضي على الدليل العام.
أما الإِمام مالك -فيرى وجوب قراءة الفاتحة في السرية، وعدم مشروعيتها في الجهرية، ويرى أنَّ هذا القول تجتمع فيه أدلة الفريقين.
فإذا كانت الصلاة جهرية، فإنَّ قراءة الإِمام له قراءة، بما يحصل له من أجر السماع والإنصات، وفائدة فهم المعنى من التدبر والتفكر، ولذا رجحه الإِمام المحقق شيخ الإِسلام ابن تيمية، وهو قول أكثر السلف؛ أنَّه إذا سمع قراءة الإِمام أنصت، فإنَّ استماعه لقراءة الإِمام خير من قراءته، فإنَّ الإنصاف إلى قراءة الإِمام من تمام الائتمام به، فإنَّ من قرأ على قومٍ لا يستمعون لقراءته، لم يكونوا مؤتمين به، وهذا مما يبين حكمة سقوط القراءة عن المأموم، فإنَّ متابعته لإمامه مقدمة على غيرها، حتى في الأفعال.
وقال في موضع آخر: القراءة مع جهر الإِمام منكر، مخالف للكتاب والسنة، وما عليه الصحابة.
وممن مال إلى هذا التفصيل الذي يراه الإِمام مالك، ورجَّحه الشيخ تقي الدين -كثير من علماء الدعوة، منهم الشيخ عبد الله بن محمَّد، والشيخ محمَّد ابن إبراهيم، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، رحمهم الله تعالى.