وأيضًا: عموم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ١٧٨]، فحكم الله تعالى في عموم القتلى بوجوب القصاص، إلاَّ ما خصَّه الدليل، كما عمَّم تعالى في العفو بقوله:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ١٧٨]؛ فلم يخص به قتلًا دون قتل، فوجب تعميمه في كل قتل عمد عدوان، غيلةً كان، أم غير غيلة.
وأما من السنة:
فعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "منَ قُتل له قتيل، فأهله بين خيرتين: إما أن يأخذوا العقل، أو أن يقتلوا"؛ فجعل عليه الصلاة والسلام الخيرة لأهل القتيل بين العقل والقصاص في كل قتل، غيلةً كان، أو غير غيلة.
وأيضًا: ما روى عبد الرزاق عن سِماك بن الفضل: "أنَّ عروة كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل خَنَق صبيًّا على أوضاح له حتى قتله، فوجدوه والحبل في يده، فاعترف بنالك، فكتَب: أن ادفعوه لأولياء الصبي، فإن شاءوا قتلوا" ولم يسأل عمر عن صفة القتل، أهو غيلة، أم لا؟ ولم ينكر عليه أحد.
أما القياس:
فقالوا: فيه: إنَّه قتل في غير حرابة؛ فكان كسائر أنواع القتل في إيجاب القصاص، وقبول العفو؛ لعدم الفارق.
واستدل: من قال: إنَّ قتل الغيلة يقتل فيه الجاني حدًّا، لا قودًا، فلا يسقط بالعفو من السلطان، أو غيره -: بالكتاب، والسنة، والقياس.
أما الكتاب: فإنَّ قتل الغيلة نوع من الحرابة؛ فوجب به القتل حدًا، لا قودًا؛ لقوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا ...} الآية [المائدة: ٣٣].