للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}. القيد الثاني: قوله تعالى: {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}؛ فهذا قيدٌ أغلبيٌّ والقيد الأغلبي لا مفهوم له، ولذا لم يأتِ له مفهوم في الآية الكريمة. ومثل هذا القيد في حديث الباب، بقوله: "باتت يده"؛ فإنَّه قيدٌ أغلبيٌّ، فلا يقتضي التخصيص، ولا مفهوم له، وإذًا فليس نوم الليل شرطًا في غسل اليد ثلاثًا من النوم.

وأمَّا المشهور من مذهب الإمام أحمد: فإنَّه لا أثر لنوم النَّهار، وإنَّما وجوب الغسل خاص بنوم الليل؛ لقوَّة: "فإنَّ أحدكم لا يدري أين باتت يده".

واختلف العلماء في الحكمة من غسل اليدين ثلاثًا، بعد الاستيقاظ من النوم:

فذهب بعضهم: إلى أنَّها من الأمور التي طويت عنَّا حكمتها، فلم نعلمها، مع اعتقادنا أنَّ أحكام الله تعالى مبنيَّة على المصالح والمنافع، وأنَّ قول النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدري أين باتت يده" يشير إلى هذا الخفاء في العلَّة.

وبعضهم قال: لها علَّة مدركة محسوسة، والإنسان يده معه حال نومه، وإنَّما فيه إشارة إلى أنَّ يد النَّائم تجول في بدنه بدون إحساس، وأنَّها قد تلامس أمكنة من بدنه، لم يتم تطهيرها بالماء؛ فَتَعْلَقُ بها النجاسة.

أمَّا شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فيقول: إنَّ مشروعية غسل اليدين، هو ملامسة الشيطان لهما؛ ويدل على ذلك التعليل: "فإنَّ أحدكم لا يدري أين باتت"، ومثله جاء في الحديث الذي قبله: "فَإنَّ الشيطان يبيت على خيشومه" [رواه البخاري (٣٢٩٥) ومسلم (٢٣٨)].

وهذا تعليل مرضيٌّ مقبول؛ ولعلَّ المصنِّف لم يقرن الحديثين هنا، إلاَّ إشارة إلى تقارب المعنى بينهما، والله أعلم.

واختلف العلماء -أيضًا- هل لهذا الأمر معنًى، أم أنَّه تعبدي؟:

والرَّاجح من قولي العلماء: أنَّه معقول؛ ويدل عليه قوله: "فإنَّه لا يدري أين باتت يده". وممَّن يرى أنَّ الأمر فيها تعبدي: المالكية والحنابلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>