وذهب أبو عبد الله: إلى أنَّ القصر لا يجوز في أقل من ستة عشر فرسخًا، والفرسخ ثلاثة أميال، فيكون ثمانية وأربعين ميلاً، وذلك مسيرة يومين قاصدين، وقد روي عن ابن عباسٍ، وابن عمر خلاف ما احتج به أصحابنا، وإذا لم تثبت أقوالهم، امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكره؛ لوجهين:
أحدهما: أنَّه مخالفٌ للسُّنَّة، ولظاهر القرآن، الذي أباح القصر لمن ضرب في الأرض، فظاهر الآية متناول لكل ضرب في الأرض.
الثاني: أنَّ التقدير بابه التوقيف، فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد، والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر.
وقال شيخ الإِسلام: الفرق بين السفر الطويل والقصير لا أصل له في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل الأحكام التي علقها الله بالسفر علقها مطلقًا، فالمرجع في السفر إلى العُرف، فما كان سفرًا في عُرف الناس فهو السفر، الذي علَّق به الشارع الحكيم.
وقال ابن القيم في "الهدي": لم يحدَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمته مسافةً محدودةً للقصر والفطر، بل أطلق لهم في مطلق السفر، والضرب في الأرض.
وهذا ما اختاره كثير من محققي علماء السلفية في "نجد".
أما الشيخ محمد بن بدير فقال: إنَّ الحكم إذا خلا من ضابطٍ يضبطه، كان عرضةً للتلاعب، والخضوع للهوى، وإن الفقهاء نظروا فوجدوا أنه ليست كل مسافةٍ معتبرة لاستباحة الرخص، فوجب وصف السفر الذي تستباح به الرخص، حتى لا يتعرض المكلفون لإشكالاتٍ، أو تهاونٍ بسبب سحب الرخص على غير ما أبيحت له.
فقد ورد في الصحيح: أنَّ بعض الصحابة كان يحافظ على الصلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهم من أقصى العوالي، وهي على أربعة أميال، وطبعًا لم تكن لهم رخصة القصر، ولا الفطر.