للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدعاء للميت، ويمكن الجمع بين عدد من الموتى في الدُّعَاءِ، وقد يقتضي الحال الجمع ويتعذر إفراد كل جنازة بصلاة، ولا فرق في ذلك بين أن يتمحَّض الموتى ذكوراً أو إناثاً أو يجتمع النوع ثم إن اتحد النوع، ففي كيفية وضع الجنائز وجهان، وصاحب "التتمة" حكاهما قولين:

أصحهما وهو المذكور في الكتاب: أنَّها توضع بين يدي الإِمَامِ في جهة القِبْلَة بعضها خلف بعض ليكون الإمَام في مُحَاذَاةِ الكُلِّ.

والثاني: وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله- يُوضع الكُلّ صفاً واحداً رأس كل ميت عند رجل الآخر ويجعل الإمام جميعها على يمينه ويقف في محاذاة الأخيرة، وإن اختلف النّوع فهيئة وضعها ما ذكرنا في الوجه الأول ولا يجيء الوجه الثاني، فإن الرجل والمرأة لا يقفان صفًّا واحداً في الجماعات فكذلك لا يضعان صفاً واحداً.

ويجوز أن يعلم قوله: "بعضهم وراء بعض" بالواو؛ لأن اللَّفظ يشمل حالتي اتحاد النوع واختلافه، وقد ذكرنا في الحالة الأولى وَجْهاً آخر، وهو كذلك معلم بالحاء ثم إذا كان هيئة وضعها ما بينا في الوجه الأول، فمن الذي يلي الإمام من الموتى؟ لا يخلو الحال إما أن تحضر الجنازة دفعة واحدة أو مرتبة.

فأما الحالة الأولى وهي التي تكلم فيها في الكتاب، فينظر إن اختلف النوع فَلْيَلِ الإِمَامُ الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة، لما روي أن سعيد بن العاص "صلى على زيد بن عمر بن الخطاب وأمِّه أمِّ كُلْثُومٍ بنت علي -رضي الله عنهم- فوضع الغلام بين يديه والمرأة خلفه، وفي القوم نحو من ثَمَانِينَ نَفساً من أصحاب النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فَصَوَّبُوهُ وقالوا: هذِهِ السُّنَّةُ" (١). وروي أن ابْنَ عمر -رضي الله عنهما- "صَلَّى عَلَى تَسْعِ جَنَائِزَ، فَجَعَلَ الرِّجَالَ يَلُونَهُ، وَالنِّسَاءَ يَلِينَ الْقِبْلَةَ" (٢).

ولو حضر جنائز جماعة من الخَنَاثى وضعت صفاً واحداً لئلا تتقدم امرأة على رجل، فإن اتحد النوع فيقرب من الإمام أفضلهم، والمعتبر فيه الورع والخصال التي ترغب في الصلاة عليه، ويغلب على الظَّن كونه أقرب من -رحمة الله تعالى جدّه- ولا يتقدم بالحريَّة بخلاف استحقاق الإمامة فيه الحُرُّ على العبد.

قال في "النهاية": لأن الإمامة في الصلاة تصرف فيها، والحر مقدم على العبد في التصرفات، وإذا ماتا استويا في انقطاع التَّصرف فأقرب معتبر فيه ما ذكرنا، فإن استووا


(١) أخرجه البيهقي (٣٣١٤)، وبنحوه عند أبي داود (٣١٩٣)، والنسائي (٤/ ٧١) والدارقطني (٢/ ٧٩ - ٨٠).
(٢) أخرجه الدارقطني (٢/ ٧٩ - ٨٠)، والبيهقي (٤/ ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>