للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الرجل فأين يقف منه؟ ذكر في الكتاب أنه يقف عند صَدْرِه، وكذلك قاله في "النهاية"، والذي ذكره معظم الأصحاب منهم العراقيون والصَّيْدَلاَنِي: أنه يقف عند رأسه ونسبوا الأول إلى أبي علي الطَّبَرِي، واحتجوا لما روي أن أنساً -رضي الله عنه- "صَلَّى علَى جنَازَةِ رَجُل فَقَامَ عِنْدَ رَأسِهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجِنَازَةِ امْرَأَة فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَقَامَ عِنْدَ عَجِيْزَتِهَا، فَقِيلَ لَهُ: أهكَذًا كَانَ يُصَلِّي رَسُولُ اللهِ؟ يَقُومُ عِنْدَ رَأسِ الرَّجُلِ، وَعِنْدَ عَجِيْزَةِ الْمَرْأَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ" (١). ورأيت أبا علي قد حكى عن فعل أنس -رضي الله عنه- مثل قوله، وهو الوقوف عند الصَّدر والله أعلم. ولك أن تعلم قوله: "عند صدر الميت" بالواو لما ذكرناه، وأن تعلمه وقوله: "عند عجيزة المرأة كليهما" بالميم؛ لأن عند مالك يقف عند وسط الرجل، ومَنْكبي المرأة، وأن تعلم الكلمة الثانية بالحاء أيضاً، لأن عند أبي حنيفة -رحمه الله- يقف عند صدر الميت رجلاً كان أو امرأة، وعند أحمد يقف عند صدر الرجل وعجيزة المرأة، كما هو المذكور في الكتاب.

الثانية: أن تقدم على الجَنَازة الحاضرة وجعلها خلف ظهره.

قال في "النّهاية": خرجه الأصحاب على القولين في تقديم المأموم على الإمام ونزلوا الجنازة منزلة الإمام، قال: ولا يبعد أن يقال تجويز التَّقَدُّم على الجَنَازة أَوْلَى، فإنها ليست إماماً متبوعاً حتى يتعين تقدمه، وإنما الجنازة والمصلون على صورة مجرم يحضر باب الملك ومعه شفعاء، ولولا الأَتْبَاع لما كان يتجه قول تقديم الجَنَازة وجوباً، وهذا الذي ذكره إشارة إلى ترتيب الخلاف، وإلاَّ فقد اتفقوا على أن الأصح المنع.

وقوله في الكتاب: "لأن ذلك يحتمل في حق الغائب بسبب الحاجة" جواب عن كلام يحتج به لجواز التقدم على الجنازة، وهو أن الغائب يصلى عليه كما سيأتي مع أنه قد يكون خلف ظهر المصلى، فكذلك إذا كان حاضراً ففرق بينهما بذلك.

قال الغزالي: وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الجَنَائِزُ فَيَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ وأنْ يُصَلَّى عَلَى جَمِيعِهِمْ صَلاةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يُوضَعُ (و) بَيْنَ يَدَيِ الإمَامِ بَعْضُهُمْ وَرَاءَ بَعْضِ وَالكُلُّ فِي جِهَةِ القِبْلَةِ، وَلْيُقَرَّبْ مِنَ الإمَامِ الرَّجُلُ ثُمَّ الصَبِيُّ ثُمَّ الخُنْثَى ثُمَّ المَرْأَةُ، وَلاَ يُقَدَّمُ بِالحُرِّيَّةِ وَإِنَّما يُقَدَّمُ بِخِصَالٍ دِينيَّةٍ تُرَغِّبُ فِي الصَّلاة عَلَيْهِ، وَعِنْدَ التَّسَاوِي لاَ يَسْتَحِقُّ القُرْبَ إلاَّ بِالقُرْعَةِ أَوِ التَّرَاضِي.

قال الرافعي: إذا حضرت جنائز، جاز أن يصلى على كل واحد صلاة وهو الأولى، وجائز أن يصلى على الجميع صلاة واحدة، لأن معظم الفرض من هذه الصلاة


(١) أخرجه أبو داود (٣١٩٤)، والترمذي وحسنه (١٠٣٤)، وابن ماجة (١٤٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>