يمكن حمل المذهبين على الطّريقتين، فإنه يَقْتَضِي إثبات طريق جازم بتقديم الفقيه، وذلك مِمَّا لا سائر إليه في صلاة الجنازة.
وإذا عرفت ذلك فكلام المُصَنِّف يخالف ما ذكره المعظم من وجهين:
أحدهما: أنهم رجحوا الطريقة القاطعة بتقديم السّن، وهو أجاب بإثبات الخلاف.
والثاني: أنهم جعلوا الأَظْهَر تقديم السِّن، وإن قدر إثبات الخِلاَف، هذه إحدى مسائل الفصل.
والثانية: لَوْ اسْتَوى اثْنَان في الدَّرَجَة، وأحدهما رقيق فالحُرُّ أَوْلَى، وإن كان أحدهما رقيقاً فقيهاً والآخر حراً غير فقيه. فقد حكى إمام الحرمين فيه وجهين للشيخ أبي محمد لتعارض المعنيين. قال في "الوسيط": ولعل التَّسوية أولى.
الثالثة: لو كان الأقرب رقيقاً والأبعد حراً كالأخ الرقيق مع العم الحر فأيهما أولى؟ فيه وجهان:
أحدهما: الأخ أولى؛ لأن هذه الصَّلاة مبناها على الرِّقة والشَّفقة والأقرب أشفق، ولهذا يقدم القريب المملوك على الأجنبي الحُرِّ.
وأظهرهما عند الأكثرين: أن العَمَّ أولى لاختصاصه بأهلية الولاية كما في ولاية النكاح وكما لو استويا في الدرجة. قال في "النهاية": وأوثر في مثل هذه المسألة مصير بعض الأصحاب إلى التَّسْوِية لِتَقَابُل الأمرين.
الرابعة: إذا اجتمع قوم في درجة واحدة واستوت خصالهم، فإن رضوا بتقديم واحد فذاك وإلاَّ أقرع بينهم قطعاً للنزاع.
قال الغزالي: ثُمَّ ليَقِفِ الإِمَامُ وَرَاءَ الجَنَازَةِ عِنْدَ صَدْرِ المَيِّتِ إِنْ كَانَ ذَكَراً وَعِنْدَ (ح) عَجِيزَةِ المَرْأَةِ كَأنَّهُ يَسْتُرُهَا عَنِ القَوْمِ، فَلَوْ تَقَدَّمَ عَلَى الجَنَازَةِ لَمْ يُجِزْ عَلَى الأَصَحِّ؛ لِأنَ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ فِي حَقِّ الغَائِبِ بِسَبَبِ الحَاجَةِ.
قال الرافعي: غرض الفصل الكلام في موقف المُصلّي على الجَنَازة، وفيه مسألتان:
إحداهما: السُّنة للإمام أن يقف عند عَجِيزَة المرأة.
لما روي عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أنَّ النّبي "صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ وَسَطَهَا" (١). والمعنى: فيه محاولة سترها عن أعين الناس.
(١) أخرجه البخاري (٣٣٢، ١٣٣١، ١٣٣٢)، ومسلم (٩٦٤).