للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرد، ولكن لم يذهب إليه أحد. وقوله: "ويصلّى عليه" مرقوم بالحاء؛ لأنه يقول: لا يصلى على قاطع الطريق عقوبة له كما ذكر في الباغي.

وحكى في "النهاية" طريقة أخرى غير مبنيّة على كيفية عقوبة قاطع الطريق، فقال: قال بعض الأصحاب: لا يغسل ولا يصلى عليه استهانة به وتحقيراً لشأنه، فيجوز أن يعلّم قوله في الكتاب في موضعين من الفصل: "ويغسل ويصلى عليه" بالواو، إشارة إلى هذه الطريقة، وليست هي بالوجه المذكور في قوله: "ومن رأى أنه يقتل مصلوباً ... " إلى آخره؛ لأنه مبني على كيفية عقوبته.

قال الغزالي: ثمَّ الشَّهِيدُ لا يُغَسَّلُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا، وَهَلْ يُزَالُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ الَّتي لَيْسَتْ مِنْ أَثَرِ الشَّهَادَةِ؟ فيه خِلاَفٌ، وَثِيَابُهُ المُلَطَّخَةُ بِالدَّمِ تُتْرَكُ عَلَيْهِ مَعَ كَفَنِه إِلاَّ أَنْ يَنْزِعَة الوَارِثُ، وُينْزَعُ مِنه الدِّرْعُ وَثِيَابُ القِتَالِ.

قال الرافعي: الفصل يشتمل على ثلاث صور:

إحداها: لو استشهد جنب هل يغسل؟ فيه وجهان:

أصحهما: لا؛ وهو المذكور في الكتاب.

وبه قال مالك؛ لأن حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- "قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ جُنُبٌ، فَلَمْ يُغَسِّلْهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ: رَأَيْتُ المَلاَئِكَةَ تُغَسَّلُهُ" (١).

والثاني: وبه قال أحمد وابن سريج وابن أبي هريرة: يغسل؛ لأن الشهادة إنما تؤثر في غسل وجب بالموت، وهذا الغسل كان واجباً قبله، والوجهان متفقان على أنه لا يصلّى عليه، وعند أبي حنيفة يغسل ويصلّى عليه.

الثانية: لو أصابته نجاسة لا بسبب الشَّهادة فهل تغسل تلك النّجاسة عنه.

قال إمام الحرمين: حاصل القول فيه أوجه استخرجتها من كلام الأصحاب.

أحدها: وهو الظاهر أنها لا تزال؛ لأن الذي مبقيه أثر العبادة، وليست هذه النجاسة من أثر العبادة.

والثاني: لا؛ لأنا نهينا عن غسل الشهيد مطلقاً.

والثالث: أنه إن أدى إزالتها إلى إزالة أثر الشَّهادة، فلا تزال وإلاَّ فتزال.

الثالثة: الأولى: أن يكفَّن في ثيابه الملطَّخة بالدم، فإن لم يكن ما عليه سابغاً أتم، وإن أراد الوَرَثَةُ نزع ما عليه من الثِّياب وتكفينه في غيرها لم يمنعوا.


(١) أخرجه الحاكم (٣/ ٢٠٤)، ومن طريقة البيهقي (٤/ ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>