للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: لا يجوز إبدالها بغيرها من الثياب، وأما الدّرع والجلود والفِرَاء والخفَاف فتنزع منه خلافاً لمالك حيث قال: لا ينزع منه فَرْوٌ ولا خُفّ.

لنا على أبي حنيفة القياس على سائر الموتى، ويفارق الغسل والصلاة. أما الغسل؛ فلأن في تركه إبقاء لأثر الشَّهادة على بدنه، وأمّا الصّلاة فلأن في تركها تعظيماً له واشعاراً باستغنائه عن دعاء القوم، وعلى مالك لما روي أنه النَّبي "أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمُ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ وأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائهِمْ وَثِيَابِهِمْ" (١). وقوله في الكتاب: "وثيابهم الملطخة بالدم تترك عليه مع كفنه طاهرة"، يقتضي كونها غير الكفن لكن الذي قاله الجمهور: أنه يكفن بها فإن لم تَكْفِ أتمت -والله أعلم-.

قال الغزالي: الطَّرَفُ الثَّانِي فِيمَنْ يُصَلِّي: وَالأَولَى بِهَا القَرِيبُ، وَلاَ يُقَدَّمُ عَلَى القَرَابَةِ إلاَّ الذُّكُورُ وَلاَ يُقَدَّمُ الوَالِي (و) عَلَيْهِ، ثُمَّ يُبْدَأُ بِالأَبِ ثُمَّ الجَدِّ ثُمَّ الابْنِ ثُمَّ العُصَبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الوِلاَيَةِ، ثُمَّ الأخُ مِنَ الأَبِ وَالأُمِ مُقَدَّمٌ عَلَى الأخِ مِنَ الأَبِ فِي أَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ فَذَوُو الأَرْحَامِ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمُ المُعْتَقُ.

قال الرافعي: غرض الفصل الكلام فيمن هو أَوْلَى بالصَّلاة على الميت، وقد اختلف قول الشافعي -رضي الله عنه- في أنَّ الولي أَوْلَى بها أم الوالي؟ قال في القَديم: الوالي أولى ثم إمام المسجد ثم الوالي. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد -رحمهم الله- كما في سائر الصلوات. وقد روي "أَنَّ حُسَيْناً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَدَّمَ سَعِيدَ بْنَ العَاصِ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ فَصَلَّى عَلَى الْحَسَنِ -رَضِيَ الله عَنْهُ-" (٢).

وقال في الجديد وهو المذكور في الكتاب: الوَلِيُّ أولى؛ لأنها من قضاء حقِّ الميت، فأشبهت الدَّفن والتكفين؛ ولأنها من الأمور الخاصَّة بالقريب، فالولِيُّ أولى بها من الوالي، كولاية التَّزويج وتفارق سائر الصلوات؛ لأن معظم الغرض هاهنا الدّعاء للميت، فمن يختص بزيادة الشَّفقة دعاؤه أقرب إلى الإجابة، ونعني بالوَلِيِّ القريب، فلا يقدم غيره عليه إلا أن يكون القريب أنثى وثمّ أجنبي ذكر فهو أولى حتى يقدم الصَّبي المراهق على المرأة القريبة، وهكذا الحكم في سائر الصلوات الرجل أولى من المرأة، لأن اقتضاء النساء بالرجال جائزة وبالعكس لا يجوز، ثم في انْفِرَاد النسوة بهذه الصَّلاَة كلام سيأتي من بعد، ثم الأولى من الأقارب الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا ثم الابن ثم ابن الابن وإن سفل، وهما مؤخران عن الأب والجد، وإن كانا مُقّدمين عليها في


(١) أخرجه أبو داود (٣١٣٤)، وابن ماجة (١٥١٥) وأحمد (٢٢١٧) وضعفه ابن الملقن في الخلاصة (١/ ٢٦٢).
(٢) أخرجه البيهقي (٤/ ٢٨ - ٢٩) وقال مشهور، وضعفه ابن الملقن في الخلاصة (١/ ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>