للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام، ولا يمتنع ألا يحنث؛ للمخالفة، وهذا المعنى يجيء في الصورة المنقولة عن القفَّال، واعلم أن الخلافَ المذكورَ فيما إذا قال: تالله، ولم يقصد اليمين ولا غَيْرَ اليمين، فأمَّا إذا نوى به غير اليمين، فإنه لا يكونُ يميناً بلا خلاف، كذلك ذكره العراقيون، والقاضي الرويانيُّ وغيرهم -رحمهم الله- (١).

وعلى هذا، فقولُهُ في الكتاب "فالكلُّ صريح" معناه أنه يُؤثِّر من غير نية ويجوز إعلامه بالواو؛ لما تبين، وقد يفيد صريح الطلاق والعتاق بما يُؤثِّرُ فيهما، وان نوى غيرَهما, ولا يمكن أن في حمل لفظُ الصريحِ على مثله هاهنا.

ولو قال: واللهُ، بالرفع، فهو يمينٌ سواءٌ نغَّمَه، أو لَمْ ينغمه، والخطأ في الإعراب لا يمنعُ انعقادَ اليمينِ، وكذا لو قال: واللهَ، نصب الهاء، ذكره في "البيان" وحُكِيَ عن القفَّال في قوله "واللهُ" بالرفع: أنه لا يكون يميناً إلا أن ينوي به اليمين، ولو حذف حرف القسم، فقال: اللهِ، لأفعلنَّ كذا، ونوى اليمين، فهو يمين، وكذا لو نصب أو رفع، ويحتج له بما رُوِيَ أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال، في حديث رَكَانَةَ: "الله، مَا أَرَدَتِّ إِلاَّ وَاحِدةً" (٢) رواه صاحبُ "البيانِ" بالرفع والقاضي الرُّويانيُّ بالجر، ورُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لابن مسعود -رضي الله عنه-: "اللهَ، قَتَلْتَ أَبَا جَهْلٍ" بالنصب، وإن أطلق، فالمشهور في الرفع أنه لا يكونُ يمينًا، وان كان يحتمل اليمين، فيحتمل ابتداء الكلام أيضاً، فلا يكونُ يميناً إلا بالنية، وفي "البيان" وجهٌ أنَّه لا يكون يميناً، كما سنذكر -إن شاء الله تعالى- في النصب والجر، وفي النصب والجرِّ وجهان:

أظهَرُهما: أنه لا يكونُ يمينًا، أيضاً، ووجِّه بأن العادة لم تستمر بالحلف، كذلك، ولا يعرفه إلا خواصّ الناس.

والثاني: أنه يمينٌ، وبه قال أحمدُ، وحكاه ابنُ الصَّبَّاغ عن أبي جعفرِ الاستراباذيِّ، ورواه القاضي الرويانيُّ في "البحر" عن أبي جعفر الترمذيِّ -رحمهم الله- ووجِّه بأن حروف القسم تظهر تارةً، وتحذف أخرَى ويقتصر على إضمارها، وبهذا أجاب صاحبُ الكتاب -رحمه الله- هاهنا وفي "الوسيط" في صورة الجرِّ، والأول أرجح عند المعظم، منهم صاحب الشامل وصاحب"التهذيب" وصاحب "التتمة" -رحمهم الله-، والخلافُ على ما تبيَّن حاصلٌ في الأحوال الثلاث، لكنَّ الجَرَّ أولاها بأن يكونَ يميناً؛ لإِشعاره


(١) قال النووي: قال الدارمي: لو قال: يا الله -بالمثناة تحت- أو فالله بالفاء، أو أالله بالاستفهام ونوى اليمين، فيمين، وإلا فلا.
(٢) تقدم في الطلاق، قال الرافعي: ذكره صاحب البيان بالرفع: والروياني بالجر، قلت: لم يقع في شيء من نسخ كتب الحديث مضبوطًا بالحروف، ووقع في أصل جيد من مسند أحمد بالنصب، لكن الجر هو المعتمد، وقد وقع في رواية الترمذي بلفظ فقال: والله، قلت: والله.

<<  <  ج: ص:  >  >>