للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن من الأصحاب مَنْ لم يفرِّق بين قول الحالف: تالله، وبين قوله: بالله، هذا يقتضي إثباتَ الخلاف في كونه يميناً عند الإِطلاق، كما ستعْرِفه في قوله: تالله، والأكثرون جَرَوْا على ما قدَّمناه، وأشار جماعة في قوله: واللهِ، لأفْعَلَنَّ (١) إلى أنه يمين بكل حال، ولكن الأشبه أنه كقوله: بالله، وقد يقول المتلفِّظ به: أردت؛ واللهُ المستعان، ثم ابتدأت بـ"لأفعلن"، وليس في ذلك إلا لحنٌ في الإعراب، وسيأتي له نظائر، وأما إذا قال: تالله، لأفعلن، وليس في ذلك كذا، فالمنصوص هاهنا وفي "الإِيلاء": أنه يمين، وعن نصه في "القَسَامة": أنه ليس بيمين، وفيه طرق للأصحاب:

أحدها: إثبات قولين في المسألة:

أحدهما: أنه يمين؛ لأنَّه مستعمل في القرآن والعرف لليمين، فصار كقوله: باللهُ ووالله.

والثاني: المَنْعُ؛ لأنَّه لم يَشْتَهِر اشتهار الباء والواو، ولا يَعْرِفُ القسمَ به كثيرٌ من الناس.

والثاني: أنه ليس بيمين في "القسامة"، وهو يمين في غيرها، وفرقوا من وجهين:

أحدهِما: أنه يُثْبِت في القسامة حقًّا لنفسه من قصاص له ودية، فلا يُقْنَع منه إلا بلفظ قويٍّ مشهور في اليمين وفي الإيلاء وسائر الأيمان، وذكْرُهُ الامتناعَ من الفعل أو الإِقدام عليه يدلُّ على قصد اليمين.

والثالث: وهو الأظهر، وبه قال أبو الطَّيب وأبو حفص وأبو إسحاق -رحمهم الله- القطع بأنه يمينٌ، وذكرنا لما نقل عن القسامة تنزيلين:

أحدهما: أنه وقع في الرواية تصحيفٌ، وإنما ذكر الشَّافعي -رضي الله عنه- ذلك في الباء المنقوطة باثنتين من تحْتها يدل عليه؛ أنه علَّل، فقال: لأنَّهُ دعاء، ثم منْهم من ينزل إيراده على أنه أراد ما إذا قال: يالله على النداء، ومنهم مَنْ قال: أراد يَالَلَّهِ، بفتح اللام، وقال: أراد دعاء الاستغاثة، وهذا أشبهُ وأقرب إلى التصحيف.

والثاني: حمله على ما إذا قال القاضي: قل: بالله، فقال: تالله، فلا يُحسب ذلك؛ لأن الحَلِفَ ينبغي أن يكونَ على وفْق التحليف؛ ولذلك نقول: لو قال: قل: بالله، فقال: بالرحمن، لا يُحسب يمينُه، وعلى عكسه، لو قال: قل: تالله، فقال: بالله، فعن القَفَّال، أنه يكون يميناً؛ لأنه أبلغُ وأكثرُ استعمالاً في اليمين، ولو قال: قل: بالله، فقال: واللهِ، قال الإِمامُ؛ فيه تَرَدُّدٌ؛ لأن الباء والواو لا تكادان تتقاربان في مجرى


(١) في ز: لا أفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>