للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المفسرون: هو الوجه والكفان، وليس المراد الراحة وحدها، بل اليدان ظهراً وبطناً إلى الكوعين خارجتان عن حد العورة، ولا يكاد يفرض ظهور باطن اليدين دون ظاهرهما، ولا يستثنى ظهور قدميها خلافاً لأبي حنيفة، حيث قال: ليست القدمان من العورة، وبه قال المزني.

لنا ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم-: "سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ تُصَلِّي فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ مِنْ غَيرِ إِزَارٍ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا" (١).

وهل يستثنى أخمصا القدمين؟ حكى صاحب الكتاب وطائفة فيه وجهين، وجعلهما (٢) آخرون قولين، منهم القفال.

أحدهما: أنهما ليستا من العورة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- خص ظهور القدمين بالذكر، فأشعر ذلك بأن تغطية باطن القدمين لا تجب.

وأصحهما: أنها من العورة تسوية بين ظاهرهما وباطنهما، كما يسوى بين ظاهر اليدين وباطنهما في الخروج عن حد العورة، ولك أن تعلم قوله: (واليدين) بالألف لأن أصحابنا حكوا عن أحمد أنه لا يستثني إلا الوجه، ويدها عورة.

وقوله: (وظهر القدمين عورة في الصلاة) كالمستغنى عنه، ولو اقتصر على قوله: (إلا الوجه واليدين، وفي أخمصي قدميها وجهان) لحصل الغرض، لأنه إذا لم يستثن إلا الوجه واليدين بقي ظهر القدمين داخلاً في المستثنى منه، وإذا ذكره فاليعلم بالحاء والزاي لما قدمناه.

وقوله: (عورة في الصلاة) أشار به إلى أن العورة قد تطلق لمعنى آخر، وهو ما يحرم [النظر إليه، وكلامنا الآن فيما يجب ستره] (٣) في الصلاة، فأما ما يجوز النظر إليه، وما لا يجوز فيذكر في أول كتاب النكاح، هذا ما قصده، لكن هذه الإشارة لا اختصاص لها بظهر القدم، فلو تعرض لها في أول ما ذكر العورة لكان أحسن.

وأما الأمة فقد جعل بدنها على ثلاث مراتب:

أحدها: ما هو عورة من الرجل فلا شك في كونه عورة منها.

والثانية: ما يبدو وينكشف في حال المهنة، فليس بعورة منها، وهو الرأس والرقبة والساعد وطرف السّاقِ، لأنها تحتاج إلى كشفه، ويعسر عليها ستره.


(١) أخرجه أبو داود (٦٤٠)، والحاكم (١/ ٢٥٠)، وقال صحيح على شرط البخاري، ورواه مالك موقوفاً عليها، وادعى عبد الحق أنه الصحيح، وفي ذلك نظر، انظر خلاصة البدر. (١/ ١٥٣).
(٢) في "ب" جعلها.
(٣) سقط في "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>