للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فألْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أتَانِي وَأَخْبَرنِي أَنَّ فِيهَا قَذَرًا" (١).

والاستدلال أنه بعد تبين الحال مضى في صلاته، ولم يستأنف، ولو علم بالنجاسة، ثم نَسِيَ فصلى، ثم تذكر فطريقان:

أحدهما: القطع بوجوب القضاء، لتفريطه.

والثاني: أنه على القولين، لأن النسيان عذر كالجهل ويقال: إن القول بعدم وجوب الإعادة مخرج من القول القديم في نسيان الماء في الرحل ولا يمكن اعتبارها بالحدث، فإن العفو إلى النجاسات أسرع منه إلى الحدث، فيجوز أن يعد الجهل والنسيان فيها من الأعذار، ثم إذا أوجبنا الإعادة فيجب إعادة كل صلاة تيقن أنه صلاها مع تلك النجاسة، وإن احتمل أنها حدثت بعد ما صلى، فلا شيء عليه.

وعن أبي حنيفة: إن كانت النجاسة رطبة أعاد صلاة واحدة، وإن كانت يابسةً وكان في الصيف فكذلك، وإن كان في الشتاء أعاد صلاة يوم وليلة.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أن قوله: (الجاهل بنجاسة ثوبه) - المراد منه النجاسة التي لا يعفى عنها؛ والخلاف لا يختص بالثوب بل البدن والمكان في معناه، وإنما ذكر الثوب مثالاً.

قوله: (الجديد وجوب القضاء) اعلم لفظ (الوجوب) بالميم، لأن المنقول عن مالك إن كان الوقت باقياً يعيد، وإلا فلا.

قال الشيخ أبو حامد: ومهما قال مالك ذلك فلا يوجب الإعادة، ولكن يستحبها في الوقت، وحكى إمام الحرمين مثل ذلك عن أئمة مذهبه، ويجوز أن يعلم بالألف أيضاً؛ لأنه روي عن أحمد روايتان في المسألة كالقولين، وقوله: فقولان مرتبان في الصورة الثانية يشير إلى أن فيها طريقين (٢) كما رويناهما.

وقوله: (وأولى بالوجوب) يجوز أن يعلم لفظ "الوجوب" بالميم والألف؛ إشارة إلى مذهبهما، والحكم عندهما واحد في الصورتين.

وقوله: "ومثار التردد ... " إلى آخره، شرحه أن خطاب الشارع قسمان:

أحدهما: خطاب التكليف بالأمر، أو النهي، والنسيان يؤثر في هذا القسم ألا ترى أن الناسي لا يأثم بترك المأمور، ولا بفعل المنهي، لأنه لم يبق مكلفاً عند النسيان، بل التحق بالمجنون وبسائر من لا يخاطب.


(١) أخرجه أبو داود (٦٥٠) وابن خزيمة (٧٨٦، ١٠١٧) وابن حبان (٢١٧٦). والحاكم (١/ ٢٦٠)، وقال صحيح على شرط مسلم.
(٢) في "ب" طريقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>