للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقسم الثاني: خطاب الأخبار (١) وهو ربط الأحكام بالأسباب، وجعل الشيء شرطاً من هذا القبيل، فإن معناه أن يقول: إذا لم يوجب كذا في كذا فهو غير معتد به، والنسيان لا يؤثر في هذا القسم، ولهذا يجب الضمان على من أتلف مال الغير ناسياً، لأنه مأخوذ من قوله: (من أتلف ضمن) واختلاف القولين مستند إلى أن استصحاب النجاسة من قبيل المناهي في الصلاة، حتى إذا كان ناسياً يعذر، ولا يعد مقصراً مخالفاً، أو الطهارة عنها من قبيل الشروط، فلا يؤثر الجهل والنسيان كما في طهارة الحدث، وقد ورد في الباب ألفاظ ناهية، نحو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "تَنَزَّهُوا مِنَ الْبَوْلِ" (٢).

وقوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (٣).

وألفاظ شارطة نحو ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "تُعَادُ الصَّلاَةُ مِنْ قَدْرِ الدَّرْهَمِ مِنَ الدَّمِ" (٤) فهذا بيان ما ذكره.

وأعلم أن هذا الكلام يوجب أن يكون قوله من قبيل الشرط.

الثاني: طهارة الحدث بناء على قوله الجديد، وأن يكون القوم القديم منازعاً فيه، ثم لك أن تقول: إنه عد ترك الكلام من الشروط، ومعلوم أن الكلام ناسياً لا يضر بلا خلاف بيننا، فإن كانت الشروط لا تتأثر بالنسيان فمن الواجب أن لا يعده شرطاً، وحيث أدرجه في الشروط، فكأنه أراد بالشروط عند عد الأشياء الستة ما لا بد منه في الصَّلاَةِ عند العلم، وأراد بالشروط في قوله هاهنا: ومن قبيل الشروط ما لا بد منه مطلقاً، وما لا بد منه عند العلم قد يكون بحيث لا بد منه على الإطلاق، وقد لا يكون كذلك، ثم بتقدير أن يكون استصحاب النجاسة من المناهي في الصلاة، فلم تبطل الصلاة إذا أستصحبها عالمًا، أيلزم ذلك من نفس النهي أم يؤخذ من دليل زائد؟ فيه كلام أصولي لا أطول منها بذكره.

خاتمة لهذا الشرط: قوله في أول القسم الثاني: (أما مظان الأعذار فخمس) يشعر بانحصارها في الخمس المذكورة، لكن للعذر مظاناً أخر.


(١) انظر الكلام على ما يتعلق بالحكم الوضعي في المستصفى (١/ ٩٣)، والغيث الهامع في شرح جمع الجوامع (١/ ٤٣)، وروضة الناظر ص (٣٠)، ومسلم الوصول (٣٣)، وشرح الكوكب المنير (١/ ٤٣٤).
(٢) تقدم.
(٣) سورة المدثر، الآية ٥.
(٤) أخرجه الدارقطني والبيهقي من رواية أبي هريرة وضعفاه، قال البخاري: باطل، وقال ابن حبان: موضوع أشك فيه، اخترعه أهل الكوفة في الإسلام، انظر خلاصة البدر (١/ ١٥٢)، التلخيص (١/ ٢٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>