للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن القليل قدر دينار فما دونه وإن زاد عليه فهو كثير.

والثاني: أن القليل ما دون قدر الكف، والجديد: أنه لا عبرة بذلك، واختلفوا فيما يضبط به على قياسه في الجديد على وجهين:

أحدهما: أنه إذا بلغ حدًا يظهر للناظر من غير تأمل وإمعان طلبًا فهو كثير، وإن كان دونه فهو قليل؛ لأن المقصود من الاحتراز عن النجاسات تعظيم أمر الصلاة وأداؤها على الهيئة الحسنى، وإذا صارت النجاسة بحيث تظهر للناظرين فقد اختل معنى التعظيم.

وأظهرهما: أن الرجوع فيه إلى العادة مما يقع التلطيخ به غالباً، ويعسر الاحتراز عنه، فهو قليل، وإن زاد عليه فهو كثير، وذلك لأن أصل العفو إنما أثبتناه لتعذر الاحتراز عن هذه النجاسة، فينظر في الفرق بين القليل والكثير إليه أيضاً، فعلى الوجه الأول لا يختلف الحال بالأماكن والأوقات، وعلى الوجه الثاني هل يختلف؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، بل يعتبر الوسط المعتدل، ولا ينظر في الأزمنة والأمكنة إلى ما يندر فيه ذلك، ولا إلى ما يتفاحش فيه.

وأظهرهما: أنه يختلف الأمر باختلاف الأوقات والأماكن؛ لأن لها تاثيراً ظاهراً في سهولة الاحتراز وعسره، فعلى هذا يجتهد المصلي فيه وينظر؛ أهو قليل أم كثير؟ وإذا فرعنا على ما ذكره في الكتاب، وهو أن الكثير لا يعفى عنه؛ فلو شك في أن ما أصابه قليل أو كثير فقد ذكر إمام الحرمين فيه احتمالين:

أحدهما: أنه لا يعفى عنه؛ لأن الأصل اجتناب النجاسة، والرخصة إنما تثبت في القليل، فإذا شككنا في أنه قَلِيلٌ أم لا، فقد شككنا في المرخص.

والثاني: أنه يعفى: لأن الأصل في هذه النجاسة العفو إلا إذا تيقنا الكثرة، وهذا هو الذي رجحه وذكره في الكتاب، حيث قال: (والترخص جائز أيضاً) والأول هو الاحتياط.

ولنبين المواضع المستحقة للعلامات من هذا الفصل.

قوله: (إلا إذا كثر) ينبغي أن يعلم بالواو للوجه الصائر إلى العفو في الكثير والقليل، وكذلك بالحاء والألف؛ لأن الحكاية عن أبي حنيفة أن دم البراغيث طاهر، وبه قال أحمد في أصح الروايتين، فلا فرق بين القليل والكثير، وهذا مذهبهما في الرطوبة المنفصلة عن كل ما ليس له نفس سائلة كونيم الذباب، ونحوه.

وقوله: (كثرة يندر وقوعها) بالواو، إشارة إلى القولين القديمين، فإنهما لا ينظران إلى غلبة الوقوع وندرته، ولا يعتبران الكثرة بندرة الوقوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>