للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: (ويختلف ذلك بالأوقات والأماكن) للوجه الصائر إلى مراعاة الظهور، والوجه المعتبر للوسط أيضاً.

وقوله: (والترخيص جائز أيضاً) ينبغي أن يعلم (أيضاً) للاحتمال الأول على ما سبق.

قال الغزالي: (الرَّابِعَةُ) دَمُ البَثَرَاتِ وَقَيْحُهَا وَصَدِيدُهَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وإنْ أَصَابَهُ مِنْ بَدَنِ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ، وَلَطَخَاتُ الدَّمَامِيلِ والفِصْدَانِ دَامٍ غالِباً فَكَدَمِ الاسْتِحَاضَةِ، وإنْ لَمْ يُدْمَ فَفِي إِلْحَاقِهَا بِالبَثَرَاتِ تَرَدُّدٌ.

قال الرافعي: دم البثرات كدم البراغيث، لأن الإنسان قلما يخلو عن بثرة يترشح منها شيء، فلو وجب الغسل كل مرة لَشقَّ، بل ليس دم البراغيث إلا رشحات تمصها البراغيث من بدن الإنسان، ثم تمجها، وإلا فليس لها دماء في نفسها، ذكره إمام الحرمين، ولذلك عدت البراغيث مما ليس له نفس سائلة.

إذا تمهد ذلك، فالقليل منه معفو عنه بلا خلاف، وفي الكثير وجهان كما في دم البراغيث، ولفظ الكتاب هاهنا وإن كان مطلقاً إلا أنه أراد به القليل لوجهين:

أحدهما: أنه أجاب بعدم العفو في دم البراغيث إذا كان كبيراً والخلاف في الدمين واحد، فلا ينتظم أن نحكم هاهنا بالعفو في الكثير.

والثاني: أنه قال: متصلاً به (وإن أصابه من بدن الغير فوجهان) والخلاف فيما يصيبه من بدن الغير في القليل دون الكثير على ما سيأتي، وإذا كان مراده القليل فلا حاجة إلى إعلامه بالواو من حيث إن اللفظ يتناول الكثير، وهو مختلف فيه؛ لأن القلة مضمرة فيه، لكن يجوز أن يعلم بالواو من جهة أنه يشمل ما إذا عصر البثرة قصداً، وأخرج ما فيها، وقد نقل صاحب "التتمة" في هذه الصورة وجهين، لأنه مستغنى عنه، وإلا ظهر العفو على ما يقتضيه إطلاق الكتاب، لما روي أن ابن عمر -رضي الله عنه- عصر بثرة على وجهه، ودلك بين أصابعه بما خرج منها، وصلى، ولم يغسله (١)، ولو أصابه دم من بدن غيره، من آدمي، أو بهيمة، أو غيرهما، نظر إن كان كثيراً فلا عفو عنه؛ لأنه قدر فاحش، والاحتراز عنه سهل، وإن كان قليلاً وهو المراد من لفظ الكتاب، فقد حكى فيه وجهين، وكذلك فعل الصيدلاني، وجماعة من الجمهور حكوهما قولين:

أحدهما: وهو نصه في "الإملاء": أنه لا يعفى عنه، لأنه لا يشق الاحتراز عنه، فأشبه القليل من الخمر وسائر النجاسات.


(١) ذكره البخاري بلا إسناد، وأسند البيهقي وصححه صاحب الإمام (١/ ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>