للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبدن جميعاً، لأنه مما تَعم [البلوى به] (١) ويشق الاحتراز عنه، فعفى عنه نفياً للحرج، وأما الكثير ففيه وجهان:

أصحهما عند العراقيين، والقاضي الروياني وغيرهم، أنه يعفى (٢) عنه أيضاً، لأنه من جنس ما يتعذر الاحتراز عنه، والغالب في هذا الجنس عسر الاحتراز، فيلحق غير الغالب منه بالغالب كما أن المسافر يترخص، وإن لم يلحقه في سفره مشقة اعتباراً بالغالب، وبأن الحاجة إلى الفرق والتمييز بين القليل والكثير مما توجب المشقة.

والوجه الثاني: أنه لا يعفى عنه؛ لأن الأصل اجتناب النجاسات، وإنما خالفنا في القليل لعموم البلوى به، وهذا أصح عند إمام الحرمين، وهو المذكور في الكتاب، وفي معنى دم البراغيث دم القمل، والباعوض وما أشبه ذلك، وكذا ونيم (٣) الذباب، وبول الخفاش، ولو كان قليلاً فعرق وانتشر اللطخ بسببه، ففيه الوجهان المذكوران في الكثير، واختيار القاضي الحسين أنه لا يعفى عنه لمجاوزته محله، واختيار أبي عاصم العبادي (٤) العفو، لتعذر الاحتراز، ثم بماذا يفرق بين القليل والكثير في دم البراغيث وغيره؟ حكي فيه قولان قديمان:


(١) في أتقديم وتأخير.
(٢) قال الأذرعي: حيث قلنا به أي بالعفو عن الكثير فلا بد من شروط:
أحدها: أن لا يتفاحش بإهماله غسله، وقد قال الإمام مفرعاً على ما رجحه ثم الذي قطع به أن الناس عادة من غسل الثياب من كل حين ولا بد من اعتبارها فإن من لا يغسل ثوبه الذي يصلي فيه عما يصيبه من لطخ سنة مثلاً متفاحش مواقع النجاسة من هذه الجهات عليه. وهذا لا شك في وجوب اعتباره وهذا فرعه على رأيه في عدم العفو عن الكثير لكن في كون الإمام فرع ذلك على عدم العفو عن الكثير. فيه توقف والظاهر أن الإمام إنما فرعه على العفو عن الكثير فليتأمل.
ثانيها: أن لا يكون بفعله فإن كان بفعله لم يعف عنه وجهاً واحداً: "قاله في التتمة والتحقيق".
ثالثها: أن يحتاج إليه للبسه فلو حمل ثوباً فيه دم براغيث بعض عن مثله حال لبسه فيه الوجهان فيما لو حمل مستجمراً حتى لا تصح من الأصح. ذكر ذلك الرافعي من حمل المستجمر. قال القاضي الحسين: لو كان الثوب الملبوس زائداً على تمام لباس بدنه لم تصح صلاته لأنه غير مضطر إليه.
رابعها: أن يكون البدن جافاً فلو لبث الثوب الذي فيه دم البراغيث وبدنه رطب فإنه لا يجوز. (قاله الشيخ أبو علي في التلخيص). قال: لأنه لا ضرورة إن تلوث بدنه وبه جزم المحب الطبري تفقهاً. وقال صاحب التتمة: يغضّ عنه بكل حال.
خامسها: أن العفو بالنسبة للصلاة فأما لو وقع ثوب فيه دم البراغيث في ماء قليل. قال في التتمة يحكم بتنجسه.
(٣) جزء الذباب المعجم الوسيط (٢/ ١٠٧١).
(٤) تقدم ترجمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>