للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن التمليك يَقْتَضي الجواب على الفَوْر، فلو أخَّرَت بقدْر ما ينقطع به القَبُول عن الإِيجاب، ثم طَلَّقَت، لم يقع الطلاق.

وعن ابن القاصِّ وغيره؛ أنَّه لا يضر التأخير ما دَامَا في المجْلِس؛ لأن الشَّافعي قال: ولا أعلم خلافاً أنَّهَا إن طَلَّقت نفسها قبل أن يتفرَّقا من المجْلِس أو يحدث قطعا لذلك أن الطَّلاق يقع عليها، وأبو إسحَاق والأكثرون حَمَلوا اللَّفْظ على مَجلِس التواجب، كما سبق نظيره في "الخُلْع" وعن اختيار ابن المُنْذِر أنَّه لا يلزم الفَوْر، ولا يختص بالمجلس، بل لها التطليق متى شاءت.

ولو قال: طَلِّقِي نَفْسَك بألْف، أو على ألْف إن شئت، وطَلَّقَت، وَقَع بائناً، وعليها الألْف، وهذا تمليك بالعِوَض، كالبيع وإذا لم يجر ذكْر العِوَض، فهو كالهبة، وعند أبي حنيفة -رحمه الله- يعتبر تطليقُها ما داما في المجْلس إلا أن يخوض في أمر آخر من كلام وغيره، وقال: ولو كانت عنْده قاعدةٌ، فقَامَتْ، كانت معرضة عن الطَّلاَق، وإن كانتُ قائمةً فقعدت، لم يكُنْ ذلك إعراضاً قال: وكذلك الحُكْم عنْده في قَبُول البيع، والهِبَة، والنِّكاح، وعن القَفَّال أنَّه لو قال لزوجته: طَلِّقِي نَفْسَك، فقالت: كيف يكُونُ تطليقي لنفسي، ثمَّ قالت: طَلَّقْتُ، وقَع الطلاق، ولم يكن هذا القدْر، [قاطعاً] (١) وهذا مبني على أن تَخَلُّل الكلام اليسير لا يضُرّ، وإن قلْنا: تفويض الطلاق إليها تَوْكيل (٢)، ففي اشتراط قَبُولها الخِلاف المذكور في اعتبار القبول في الوكالات ويجيْء الوجه الفارق بيْن لفْظ الأمْر بأن يقول طلِّقِي نَفْسَك، وبين صيغة العَقْد؛ بأن يقول وكَلْتُكِ بطلاق نفسك، وهَلْ يَجُوز تأخير التطليق على هذا القول: فيه وجهان:

أصحهما: نعم، ولها أن تُطلَّق نفسها متى شاءت، كما في توكيل الأجنبيِّ، احْتُجَّ لذلك بأن النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة -رضي الله عنها- لمَّا أراد تخيير نسائه "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً فَلاَ تُبَادِرِينِي الجَوَابَ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ" (٣).

والثاني: عن القاضي الحُسَيْن أنه لا يجوز التأخير، وإن جعلْناه توكيلاً: لأنه يتضمَّن تمليكها نفسها بلفْظ مأتيٍّ به، وذلك يقتضي جواباً عاجلاً؛ ألا تَرَى أنه إذا قال أنْتِ طالقٌ إن شئْتِ، يعتبر الفور في المشيئة، وطَرَد القاضي ما ذَكَره فيما إذا صَرَّح بالتوكيل، فقال: وَكَّلْتُكِ؛ لتطلقي نفْسَك، وقال: إنَّه يشوبه شعبة مِنَ التْملِيك، وإن صرَّح بالتوكيل، قال الإِمام: وقد رَمَز المحققون إلى هَذا حيْث قالوا: إنْ جعلْنا


(١) سقط في ز.
(٢) ونسب هذا إلى القديم.
(٣) هو طرف من الذي قبله، قال الحافظ في التلخيص: ولم أرَ في شيء من طرقه قوله: فلا تبادريني بالجواب، نعم جاء بمعناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>