للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: وقوع الطلاق؛ لأنا نُوقِعُ الطلاق بالكتابة مع النية، فعِنْد اللفظ أَوْلَى (١).

والثاني: المَنْع؛ لأنَّه ليس؛ بكلام ولهذا يشترط في قراءة الصلاة أن يُسمِعَ نَفْسَهُ [والله أعلم].

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الفَصْلُ الثَّالِثُ في التَّفْوِيضِ): (٢) وهُوَ أَنْ يَقُولَ: طَلِّقي نَفْسَكِ فَإذَا قَالَتْ: طَلَّقْتُ وَقَعَ، وَهُوَ تَمْلِيكٌ أَوْ تَوْكِيلٌ فِيهِ قَوْلاَنِ، فَإنْ قُلْنَا: إنَّهُ تَمْلِيكٌ لَمْ يَجُزْ لَهَا تَأْخِيرُ التَّطْلِيقِ لأَنَّهُ كَالقَبُولِ، وَإِنْ قُلْنَا: تَوْكِيلٌ فَفِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ وَجْهَانِ، وَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ تَطْلِيقِهَا جَازَ عَلَى القَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: لاَ يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ التَّمْلِيكِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: يجُوز للزَّوج تفْويض الطَّلاق إلى زوجته، قال الأصحاب: والأصل فيه أن النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَيَّر نسَاءه بيْن المقام معه وبيْن مفارقته (٣)، لمَّا نَزَل قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: ٢٨] الآية والتي بعدها، وإذا فوض الطلاق إليها بأن قال: طلِّقِي نَفْسَك أو طلِّقي نفسك إن شئت، فهو تمليك للطَّلاق أو توكيل به، فيه قولان:

أصحُّهما: وهو الجديدُ (٤)؛ أنه تمليك (٥)؛ لأنه يتعلق بغرضها وفائِدَتِها، وكأنَّه يقول: مَلَّكْتُك نفْسَك، فتملكها بالطلاق.

والثاني: ويُنْسَب إلى القديم، أنَّه توكيل كما لو فرض طلاقها إلى أجنبيِّ، وبه قال أبو حنيفة فيما رواه أبو الفرج السرخسي وغيره.

التَّفْرِيع: إن قلنا: إنَّه تمليكٌ، فتطليقها نفْسَها متضمن للقبول، ولا يجوز تأخيره،


(١) قال النووي: الأظهر: الثاني؛ لأنه في حكم النية المجردة، بخلاف الكتب، فإن المعتمد في وقوع الطلاق به حصول الإفهام ولم يحصل هنا.
(٢) وهو جائز بالإجماع واحتجوا له أيضاً بأنه -صلى الله عليه وسلم- خير نساءه بين المقام معه وبين مفارقته لما نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} ... الخ.
فلو لم يكن لاختيارهن الفرقة أثر لم يكن لتخييرهن معنى، فإن قيل: لا دليل في ذلك لما صححوه من أنه لا يقع الطلاق باختيارهن الدنيا، بل لا بدّ من إيقاعه بدليل "فتعالين أمتعكن وأسرحكن" أجيب بأنه لما فوّض إليهن سبب الفراق وهو اختيار الدنيا، جاز أن يفوّض إليهن المسبب الذي هو الفراق.
(٣) أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة، وقد تقدم في الخصائص، وروى أحمد في مسنده من حديث علي أنه خير نساءه بين الدنيا والآخرة، ولم يخيرهن الطلاق.
(٤) لأنه يتعلق بغرضها كغيره من التمليكات، فنزل منزلة قوله: ملكتك طلاقك.
(٥) أي يعطى حكم التمليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>