التفويض تَوْكيلاً، فذاك، وإن جعلْناه تمليكاً، فهل يتمكن الزوج من توكيلها، أم كل تفويض تمليكٌ؟ فيه خلاف.
والثاني: وهو الَّذِي أورده صاحبُ "التهذيب".
ولو قال: طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْتِ، فلا يشترط التطليق على الفَوْر، ويجُوز للزَّوْج الرجوع قبْل أن تُطَلِّق نفْسَها، سواءٌ جعلْناه توكيلاً أَم تمليكاً، أمَّا إذا كَانَ تَوْكيلاً؛ فلأنه عقْد جائز في وضعه، وأمَّا إذا كان تَمْليكاً، فلأن التَّمْليكات يجُوز الرُّجُوع عنْها قَبْل القبول، وساعدنا أحمد -رحمه الله-، وعنْ أبي حنيفة ومالك -رحمهما الله- أنَّه لَيْس له الرجوع، وبه قال ابن خيران وإن قلنا: إنَّه تمليك، ووجِّه بأنه إذا قال لها: طَلِّقِي نَفْسَك، فكأنَّه قال إذا تلفَّظْت بتطليق نفْسك، فأنْتِ طالقٌ، ويقال بأن الشيخ أبا محمَّد كان يعبِّر عن هذا المَعْنَى بأنه تمليكٌ متضمِّن التعليق ويجُوز أن يُعلَّم؛ لِمَا نقلْنا قولُه "جاز" بالحاء والميم؛ وقولُه "لا يجوز" بالألف.
ولو قال لامرأته إذا جَاءَ رَأسُ الشَّهْر، فطَلِّقِي نفْسَكِ، ففي صِحَّته، قولان بناءً على أن التَّفْويض تمليك أو توكيل، إن قلْنا تمليكٌ، فهو لَغْو، وليس لها تطْليق نفْسِها، إذا جاء رأس الشَّهْر كما إذا قال: مَلكَّتك هذا العَبْد، إذا جاء رأْس الشهر، وإن قلْنا إنَّه توكيلٌ، فيجوز كَمَا لو وكَّل أجنبيًّا بتطليق زوجته بعْد شَهْر، وَعَلَى هذا، فلو قال: إذا جاء رأْس الشهر، فطَلِّقِي نفْسَك، أن ضمنت لي ألْفا، أو قال: طلِّقي نفْسَك، إن ضمنت لي ألْفاً بعْد شهر، فإذا طلقت نفسها على ألْف بعْد مضيِّ شهر، يقع، ويلزمها الألف، وذكر إسماعيل البوشنجي أنَّه إذا قال لأجنبي إذا جاء رأس الشهر، فأَمْر امرأتي بيدك، فإن كان قَصْده بذلك إطلاقَ الطَّلاق له بعْد مجيْء رأس الشَّهْر، فله التطْليقُ بعْده أيَّ وقْت شاء إلا أن يطْرَأَ حَجْر، وإن أراد تقييد الأمْر برأْس الشهر، فيتقيد الطَّلاق به، وليْس له أنْ يُطَلِّقها بعْد ذلك، ولو قال: إذا مَضَى هذا الشَّهْر، فأمرها بيَدِك، فمقتضاه إطْلاَق الإذْن بعْد مضيِّ الشَّهْر، فيطلقها متى شاء، ولو قال: أمرها بيدك إلى شَهْر أو شهراً، فلَه أن يُطلِّقَها إلَى شَهْر، وليس له الطلاق وراءه وهذه الأحكام في حَقِّ الزوجة كَهِيَ في حقِّ الأجنبي، إذا جعلْنا التفويض إليها توكيلاً.
ولو قال لها: طَلِّقي نفْسَكِ، فقالت: طلَّقْتُ نَفْسي أو أنا طالقٌ، إذا قَدِم زيْدٌ لم يَقَعِ الطَّلاَق عليها، إذا قَدِم؛ لأنَّه لا يُمَلِّكها التعليق، وكذا الحُكْم في حقِّ الأجنبيِّ وفيها وجه آخر حكاه الحناطي.
ولو قال لها: علقي طلاقك بكذا، ففعَلَتْ أو قاله الأجنبي، ففعل، لم يَصِحُّ، لأنَّ تعليق الطلاق يجري مَجْرى الأيمان، فلا يدخله التَّفْويض والنِّيَابَة، هذا هو الأظْهَر، وهو الجواب في "التهذيب" وعن أبي عاصم العَبَّادي وجْهان آخران: