وأظهرهما: -على ما ذكر الإِمام، وصاحب الكتاب-: الوقُوعُ؛ وإذا اقترن بأوَّله عُرِفَ قصده من اللفظ، فالتحق بالصريح، ولو اقترنت بآخر اللفظ، وخلا أوَّلُه عنْها، فوجهان أيضاً. وجْه الوقوع: أنَّ وقت الوقوع حالة تَمَامِ اللفظ، وقد قارنتها النية.
ووجه الآخر: أنَّ صدْر اللفظ عَرِيٌّ عن الطلاق، والانعطافُ على ما مضى بعيدٌ، بخلاف استصْحَاب ما وُجِدَ، وسكت الإِمام عن الترجيح في هذَيْن الوجهين، وكذلك فعل صاحب الكتاب هاهنا، وفي "الوسيط" وذلك يُشْعِر بأنهما رأيا الأظهر (١) فيما إذا اقترنت النية بآخر اللفظ دون أوَّلِه البُطْلاَنَ، لكنَّ صاحب "التتمة" قرب الوجهين فيما إذا اقترنت بأوله دون آخره من الوجهين فيما إذا اقترن بآخره دون أوله من القولين، فيما إذا نوى المسافر الجَمْع في أثناء الصلاة، ولم يَنْو في أولها، وقضيَّة هذا التشبيه والتقريب أن يقال: إذا كان الوقوع فيما إذا اقترنت النية بأول التكبير دون آخره الانعقاد، والأظهر فيما إذا نوى الجَمْع في أثناء الصلاة صحَّة صلاة الجمع.
الثاني: الكنايات لا تلحق بالصَّرائح، لسؤال المرأة الطلاق، ولا بقرينة الغَضَب واللَّجَاج؛ لأنه قد يقْصِد خلاف ما تُشْعر به القرينة، واللفظ في نفسه محتملٌ. وقال مالك -رَحمه الله-: تلتحق الكنايات بالصرائح بقرينة السؤال وقرينة الغضب.
وعن أبي حنيفة -رحمه الله- تفصيل طويلٌ في الكنايات؛ منْها ما ألحقه بالصرائح بالقرينتين جميعاً، ومنْها ما ألحقه بقرينة السؤال دون الغضب.
وقال أحمد -رحمه الله-: دَلاَلَةُ الحالِ في جميع الكنايات تقُوم مقام النية، ومهْما خاطَب الزَّوْج زوجته بلفظ من ألفاظ الكنايات، وقال: لم أَنْوِ الطلاق، فهو مصدَّقٌ بيمينه، فإن نَكَلَ، حَلَفَتِ المرأة، قُضِيَ بوقوع الطلاق، وربَّما كان قد أقرَّ بذلك ثم جَحَد فإن لو علمت النية لفظية بقرائن ومخائل، يجوز الحلف بمثلها.
هذا شرح ما اشتمل عليه الفَصْل الأول من الرُّكن ونعقبه بمسائل مستفادة تتعلق بالصرائح والكنايات المعقود لها الفَصْل؛ والله أعلم.
(١) قال في المهمات عبارة الرافعي أظهر الوجهين عند الإِمام والغزالي في الأولى أنه يقع، وكلامهما يشعر برجحان عدم الوقوع في الثانية، وأطلق في الشرح الصغير الترجيح في الأولى فقال: وأظهرهما الوقوع؛ لأن النية إذا اقترنت بأول اللفظ عرف قصده من اللفظ، وعبارة المنهاج تبعاً للمحرر يقتضي الجزم بعدم الاكتفاء باقترانها بآخره، وتصحيحه في اقترانها بأوله، والفتوى على التفصيل بين الأول والأخير، فقد صححه الماوردي في الحاوي وقال: إنه أشبه بمذهب الشَّافعي. قال في القوت: لو قارنت أثناء لفظ الكناية دون أولها ودون آخرها كلام جماعة يفهم أنه على الوجهين، وهذا نقل وهو ظاهر بل صرح به في البيان والتجربة كما نقله بعض شراح المنهاج.