للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: قال الشيخ أبو نصر بن الصباغ: ينْبَغِي ألاَّ يفرق بيْن أن يقول: أردتُّ بقولي: "أنْتِ عليَّ حرامٌ" التَّحريم وبين أن يقول: لم أنْوِ شيئاً؛ لأن اللفظ صريحٌ في هذا المعنى، فلا مَعْنَى لاعتبار النية وظاهر هذا طريقه جازمة، بأن صورة الإِطلاق حكمها حُكْمُ ما لو قصدت التحريم.

الرابع: إذا قال متى قلت لامرأتي: أنْتِ عليَّ حرامٌ، فإني أريد به الطلاقَ، ثم قال لها بعد مدة: أنْتِ عليَّ حرامٌ، فعن أبي العباس الرُّوياني بأنَّه يحتمل وجهَيْن:

أحدهما: الحَمْل على الطلاق؛ لكلامه السابق.

والثاني: أنَّه كما لو ابتدأ به؛ لاحتمال أن نيته قد تغيَّرت (١).

واعلم أنه قد تكرَّر في كلام الأصحاب في المسألة أن قوله: "أنْتِ عليَّ حرامٌ" صريحٌ في الكفَّارة أو التزام الكفارة أو هو كناية، وفي الحقيقة ليس لزوم الكفارة أو التزامها معنى اللفظ؛ حتى يقال هو صريحٌ فيه أو كناية، وإنما هو حكم رتبه الشرع على التلفظ (٢) بهذه اللفظة، واختَلَفوا في أن هذا الحُكْم، هل يتوقَّف حتى ينوي التحريم أو لا يتوقف؟ فتوسَّعُوا باطلاق لفظ الصريح والكناية.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَالنِّيَةُ في الكِنَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ اللَّفْظِ لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ، فَلَوْ اقْتَرَنَ بِأَوَّلِ اللَّفْظِ دُونَ آخِرِهِ نَفَذَ عَلَى الأَصَحِّ، وَلَوِ اقْتَرَنَ بِآخِرِهِ دُونَ أَوَّلِهِ فَوَجْهَان، وَالكنَايَةُ لاَ يَصِيرُ صَرِيحاً بِقَرِينَةِ الغَصْبِ وَاللَّجَاجِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وفي هذه النية أصْلاَنِ لا بدّ من معرفتهما في الكنايات.

أحدهما: أن الكنايات الظاهرة لا تعمل بنفسها، بل لا بُدَّ فيها من نية الطلاق.

وقال مالك -رحمه الله-: إن الكناياتِ الظاهِرَة لا تحْتَاج إلى النية، واحتج الأصحاب أنَّها كناياتٌ لم تقترن بها نية الطَّلاق، فأشبهت سائر الكنايات من غير نيَّة فالنيَّة أيضاً لا تعْمَل في الطَّلاق من غير لفظ صريح وعن مالك أن الطلاق يقع بمجرد القَصْد.

واحتج الأصحاب بأنَّ الطَّلاق حَلُّ عقْدٍ، فلا يحصل بمجرد النية، كالفسخ، والإِقالة إذا عرف ذلك فينبغي أن تقترن النية باللفظ، فلو تقدَّمت وتلفظ بلا نية أو فرغ منَ اللفظ ثُمَّ نوى لم يَقَع الطلاق، ولو اقترنت بأول اللَّفْظ وعزبت قبل تمامه بأن قصد إيقاع الطلاق عند قوله: أنْتِ، ولم يَنْوِ هذا القصد عند الانتهاء إلى طالقٍ، فوجهان:

في وجه: لا يقع الطلاق؛ لأن ما قارنته النية غير مفيد.


(١) قال النووي: أصحهما الثاني.
(٢) في ز: اللفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>