عند أبي حنيفة -رحمه الله- قوله: أنْتِ عليَّ حرامٌ يمينٌ، وهو بمثابة قول القائل: والله لا أطؤك حتى يكون إيلاءً في حق الزوجة، ويتعلق الكفَّارة فيه بالحنث، وإذا كان كذلك، لم يكن الإِطْلاَق موجباً للكفَّارة، ويجُوز أن يعلَّم قوله:"يلْغُو" بالحاء والميم أيضاً، وقوله "لتعارض" يَعْني احتمال الظِّهَار والطلاق وغيرهما، وقوله:"هُوَ صَرِيحٌ في الكَفَّارَة" وفي بعض النسخ "في التَّحْرِيم" أي في معنى التحريم الذي موجبه الكفارة، والأول أوضح.
فُرُوعٌ وفوائدُ:
الأوَّل: لو قال: أنْت حَرَامٌ ولم يقل "عَلَيَّ".
قال في "التهذيب": هو كناية قولاً واحداً، ولو قال: أنْتِ عليَّ كالميتة، والدم، أو الخمر أو الخنزير، وقال: أردتُّ الطلاق أو الظهار، فهُو كما نوى، وإن قال أردتُّ التحريم، فعليه الكفارة، وإن أطْلَقَ فظاهرُ النصِّ: أنه كالحرام، عَلَى ذلك جَرَى الإِمامُ، ثم قال: يجوز ألا تَجْعل هذه الألفاظ صرائحَ، وتخصيص الحَرَام بكونه صريحاً؛ لورود القرآن [به](١)، والذي ذكَره على سَبِيل الاحْتمال، وهو الذي أورده صاحب "التهذيب" وغيره.
قال الحناطي: الخِلاَفُ عنْد الإِطلاق هاهنا مرتَّب على الإِطلاق، في لفظ الحرام، وهذا أَوْلَى بأن لا يُجْعَلَ صريحاً وحكي قولاً هاهنا أنَّه لا تجب الكفارة، وإن أراد التَّحْريم.
قال الشيخ أبو حامد: ولو قال: أردتُّ أنها حرامٌ عليَّ فإن جعلْناه صريحاً وجبت الكفارة، وإن جعلْناه كنايةً لم تَجِبْ؛ لأنّه لا يكون للكناية كناية، وتبعه على هذا جماعةٌ، لكن لا يكاد يتحقَّق هذا التصوير؛ لأنَّه ينوي باللفظ معنى لفظ آخر لا صورة اللفظ، وإذا كان المَنْوِيُّ المعنى، فلا فَرْق بين أن يقال: نَوَى التحريم وبين أن يقال: نوى: أَنْتِ عَلَيَّ حرامٌ، ولو قال: أردتُّ أنها كالميتة في النفرة والاستقذار، قُبِلَ: ولم يلزمه شيء، ذكَره أبو الفرج السرخسي.
الثاني: قال إسماعيل البوشنجي: إنما يقع الطَّلاق بقوله: أنتِ حرامٌ عليّ إذا نوى حقيقة الطَّلاق، وقصد إيقاعه بهذه اللفظة، أمَّا إذا لم يَنْوِ، كذلك لم يقع وإن اعتقد قوله: أنْتِ عليَّ حرَامٌ موقعاً، وظن أنه قد وقَع طلاقُه، وحُكِي عن بَعْض أصحاب أبي حنيفة أنَّه يقع إذا ظنَّه موقعاً، وإن لم ينوِ الإِيقاع، وأن الفقيه أبا الليث -رحمه الله- اختار ذلك.