وقوله في الكتاب:"ولا خلاف في أن المهْرَ لا يسقط بموت الحُرَّة والأمة" الأمر في موت الحرة كما ذكره، وأما في موت الأمة، فقد عرفت الخلافَ فيه، فإن كان ذلك طريقة أخرَى، فليعلم قوله:"والأمة" بالواو" لذلك.
المسألة الثانية: إذا باع الأمةَ المزوَّجة، لِم ينفسخ النكاحُ؛ لما رُوِي عن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- "اشْتَرَتْ بُرَيْرَةَ وَلَهَا زَوْجٌ فَأعْتَقَتْهَا، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ولو انفسخ النكاح، لَمَا خيَّرها، ويكون المهر للبائع، إن سمَّى في العقد صداقاً صحيحاً أو فاسداً، سواءٌ جرى الدخولُ قبل البيعِ أو بعْده؛ لأنه وجَب بالعقْدِ، والعقْدُ كان في ملكه، ولو طلَّقها الزوجُ بعْد البيع وقبل الدخول يكُون نصْف المهر للبائع، وإنْ كان قد زوَّجها على صورة التفْويض، ثم جرى الغرض أو الدُّخُول قبل البيع، فالمفروضُ أو مهر المثل للبائع أيضاً، وكذلك، إنْ أوجبنا المهر في المفوِّضة بالعقد، وإن جرى الفرض أو الدخول بعد البيع، فالمفروضُ أو مهرُ المثل للبائِع أو للمشترِي؟ فيه طريقان:
أظهرهما: أنه على وجهَيْن؛ بناءً على أن الوجوب بالفرض والدخول، أو نتبين بالفرض والدخول وجوبَ المفروض أو مهْر المثل بالعقْد، وفيه قولان، إن قلْنا بالأول، فهو للمشتري، وإنْ قلْنَا بالثاني، فهو للبائِعِ.
والطريقُ الثَّاني: القطع بأنه للبائع؛ لأن العقْدَ هو السبَب الأول، وبه دخَل البُضْع في ضمان الزَّوْج، وإنما جرى العقْد في ملك البائع، ولو مات أحدُ الزوجَيْن بعد البيع، وقبل الفرض والدخول، وحكمنا بوجوب المهر، [ففيمن](١) له المهرُ، مثْلُ هذا الخلاف، ولو طلَّقها بعد البيع وقبل الفرض والدخول، فالمتعة للمشتري؛ لأنها تجب بالطلاقِ، والطلاقُ وقع في ملكه، ولو أعتق أمته المزوَّجة، فالقول في المهر على التفصيل المذكور في البيع، فحيث قلْنا: إنه للبائع، فههنا يكون للمعتق، وحيثُ قلنا هناك: إِنَّه للمشتَرِي، فههنا يكون للمعتقة، وحيث حكمنا بأن المهر للبائع أو للمعتق، ولم يجر الدخول، فليس له حبْسُها لتسوق الصداق؛ لأنها خرَجَت عن ملكه وتصرُّفه، وليس للمشتري، ولا للمعتقة الحَبْس أيضاً؛ لأنهما لا يملكان المَهْر، وحيث حكمنا بأنه للمشتري، أو للمعتقة، فلهما الحبس لاستيفائه، ولو أعتقها وأوصَى لها بصَدَاقها، فليس لها حبْسُ نفسها لاستيفائه؛ لأن الاستحقاق ههنا بالوصيَّة لا بالنكاح، ولو تزوج أمة ولده، ثم مات، وَعَتَقَتْ، وصار الصداقُ للوارث، ولم يكن له حبْسُها؛ لأنه لا ملك له فيها.