للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المُثْبِتُون فلهم طرق: أحدها وبه قال صاحب الإفصاح والقاضي أبو حامد: أنَّ المسألة على قولين مطلقاً. والثَّاني: أنه إنْ لَمْ يَكُنْ الموضع صالحاً وجب التَّعيين لا محالة، وإنْ كان صالحاً فقولان. والثالث: إنْ لم يكن لحمله مُؤَنة فلا حاجة إلَى التَّعيين، وإن كان له مُؤنة فقولان. وهذا أصح عند الإمام. ويروى عن اختيار القَفَّال: ووجه اشتراط التعيين أن الأغراض تتفاوت بتفاوت الأمكنة، فلا بد من التعيين قَطْعاً للنزاع، كما لو باع بِدَرَاهِمَ وفي البلد نقود مختلفة، ووجه عدم الاشتراط وبه قال أحمد: القِيَاس على البيع، فإنه لا حاجة فيه إلى تَعْيين مكان التسليم، ووجه الفرق بين الموضع الصالح وغير الصالح اطِّراد العُرْف بالتَّسْليم في الموضع الصالح، واختلاف الأَغْرَاض في غيره، ووجه الفرق بين مَا لحملهَ مُؤنَة وغيره قريب من ذلك.

والفتوى من هذا كله على وجوب التعيين إذا لم يكن الموضع صالحاً، أوْ كان لِحَمْله مُؤنَة، وعدم الاشْتِرَاط فِي غَيْرها تبيّن الحَالتين، ومتى شرطنا التَّعْيين فلو لم يعيّن فسد العقد، وإن لم نشرطه فإن عين تعيّن.

وعن أحمد رواية: أنَّ هذا الشرط يفسد السَّلَم، وإن لم يعيّن حمل على مكان العقد. وفي "التتمة": أنه إذا لم يكن لحمله مُؤنَة سلمه في أي موضع صالح شاء، وذكر وجهاً فيما إذا لم يصلح المَوْضع لِلتَّسْلِيم: أنه يحمل على أقرب موضع صالح، ولو عين موضعاً لتسليم، ففيه ثلاثة أوجه ذكرها القاضي ابن كَجٍّ:

أحدها: أنه يتعين ذلك الموضع.

والثاني: لا، وللمسلم الخِيَار.

والثالث: يتعين أقرب موضع صالح.

وأما السَّلم الحال فلا حاجة فيه إلى تَعْيِين مكان التَّسْليم كالبيع، ويتعيّن مكان العقد، لكن لو عينا موضعًا آخر جاز بخلاف البيع؛ لأن السَّلَم يقبل التَّأْجيل، فيقبل شَرْطاً يتضمن تأخير التسليم بالإحصار، والأعيان لا تحتمل التَّأجيل، فلا تحتمل شرطاً يتضمن تَأْخِيرِ التَّسْليم، وحكم الثمن في الذِّمة حكم المسلم فيه، وإن كان معيناً فهو كالمبيع قال في "التهذيب": ولا نعني بمكان العَقْد ذلك الموضع بعينه، بل تلك المحلة والله أعلم (١).


(١) قال النووي: قال في "التتمة": الثمن في الذمة والأجرة إذاكانت ديناً، وكذا الصداق، وعوض الخلع، والكتابة، ومال الصلح عن دم العمد، وكل عوض ملتزم في الذمة، له حكم السلم الحال، إن عين للتسليم مكان، جاز، وإلا تعين موضع العقد، لأن كل الأعواض الملتزمة في الذمة تقبل التأجيل كالمسلم فيه. ينظر الروضة ٣/ ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>