للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأظهرهما: لا؛ لأنه لم يَجِئْ وقت وجوب التسليم، وهذا الخلاف مأخوذ من الخِلاَف فيما إذا حلف ليأكلن هذا الطَّعَام غدا، فتلف قبل الغَدِ أنه يَحْنَث في الحال أو يتأخَّر الحنث إلى الغد؟

قوله في الكتاب: "ففي تَنْجِيزِ الخِيَار أو تأخيره" تفريع على أن الثابت بالانقطاع الخيار دون الانْفِسَاخ، وعلى القول الآخر يَتَنَجز الانِفْسَاخ، واللَّفظ العام ما سبق، وإطلاقه القولين في المَسْأَلَة اتباع للإمام، والوجه الحمل على القولين المخرجين، وحينئذٍ لا يبقى بينهما وبين الوجهين كثير فرق.

فإن قيل: فيم يحصل الانقطاع؟

قيل: إن لم يوجد المسلم فيه أصلاً، بأنْ كان ذلك الشيء يَنْشَأ في تلك البلدة، وقد اْصابته جَائِحَة مستأصلة، فهذا انقطاع حقيقي، وفي معناه ما لو كان يُوجد في غير تلك البلدة، ولكن لو نقل إليها لفسد، وما إذا لم يوجد إلاَّ عند قوم مَحْصُورين، وامتنعوا من بيعه، ولو كانوا يبيعونه بثمن غَالٍ وجب تحصيله ولم يكن ذلك انقطاعاً، وإنْ أمْكَنَ نقل المسلم فيه من غير تلك البلدة إليها وجب نقله إن كان في حَدّ القرب، وبم يضبط؟

أما صاحب "التهذيب" في آخرين فإنهم نقلوا وجهين:

أقربهما: أنه يجب نقله مما دون مَسَافَة القصر.

والثاني: من مَسَافة لو خرج إليها بُكْرَة أمكنه الرجوع إلى أهله لَيْلاً.

وأما الإمام فإنه جرى على الإعْراض عن مسافة القَصْر، وقال: إن أمْكَن النَّقْل عسر، فالأصح: أنَّ السَّلم لا ينفسخَ قطعاً، ومنهم من طرد فيه القولين.

قال الغزالي: وَأَصَحُّ القَوْلَيْنِ: أنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ مَكَانِ التَّسْلِيمِ، بَلْ يَنْزِلُ المُطْلَقُ عَلَى مَكانِ العَقْدِ.

قال الرَّافِعِيُّ: السَّلَم إما مؤجل أو حال:

أما المُؤَجَّل فقد حكي عن نص الشَّافعي -رضي الله عنه- اختلاف في أنه، هل يجب تعيين مكان التسليم؟ وانقسم الأصحاب إلى نُفَاةٍ للخلاف ومُثْبِتِين.

أما النُفَاة: فعن أبي إسحاق المَرُوزِيّ: أنه إن جرى العقد في موضع يصلح للتسليم فلا حاجة إلى التَّعيين، وإنْ جرى في مَوْضِعٍ غير صالح فلا بد من التعيين، وحمل النصين على الحالين. وعن ابْنِ القَاصِ: أنَّ المسلم فيه إن كان لحمله مُؤنَة، وجب التَّعيين، وإلاَّ فلا، وحمل النصين على الحالين، وبهذا قال أبو حنيفة، وهو اختيار القاضي أبي الطَّيب فهذان طريقان.

<<  <  ج: ص:  >  >>