وعند أبي حنيفة: يشترط عموم الوجود من وقت العَقْد إلى المحل.
واحتج الشَّافعي -رضي الله عنه- بالحديث المذكور في أول الباب، (وهو أنهم كانوا يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَار السَّنَةَ والسَّنَتَيْنِ) والثمار لا تبقى هذه المدة بل تنقطع، وإذا أْسلم فيما يعم وجوده، ثم انقطع عند المحل لِجَائِحَة فقولان:
أحدهما: أنه يَنْفَسِخ العقد، كما لو تلف البَيْع قبل القَبْض.
وأصحهما وبه قال أَبُو حنيفة: لا يَنْفَسِخ؛ لأن المسلم فيه يتعلّق بالذِّمَّة، فأشبه ما إذا أفلس المُشْتَري بالثمن، لا ينفسخ العَقْد ولكن للبائع الخيار، ولأن هذا العقد ورد على مَقْدُور في الظاهر، فعروض الانقطاع كإباق العبد المبيع، وذلك لا يقتضي إلاَّ الخِيَار، فكذلك هاهنا المسلم يتخيَّر بين أنْ يفسخ العقد، أو يصبر إلى وجود المُسَلم فيه. ولا فرق في جَرَيَان القولين بين ألا يوجد المسلم فيه عند المحل أصلاً، وبين أَنْ يكون مَوْجُوداً، فَيُسَوِّف المسلم إليه حتى ينقطع.
وعن بعض الأصحاب أن القولين في الحَالَة الأولى.
أما في الثَّانية: فلا يَنْفَسِخ العقد بحَال لوجود المُسَلم فيه، وحصول القدرة، فإن أجاز ثم بَدَالَهُ مُكِّن من الفسخ كزوجة المولى إذا رضيت بالمَقَام، ثم ندمت (١).
ووجهه الإمام بأن هذه الإجازة إنظار والإنظار تأجيل، والأجل لا يلحق العقد بعد لزومه، وقد يتوقف النَّاظِرُ في كونها إنْظَاراً، ويميل إلى أنها إسقاط حق ورضا بما عرض، كإجازة زوجة العِنِّيْنِ، ويجوز أن يقدر فيه وجهان؛ لأن الإمام حكى وجهين في أنه لو صرح بإسقاط حق الفسخ هل يسقط؟ قال: والصحيح أنه لا يسقط. ولو قال المسلم إليه للمسلم: لا تصبر وَخُذْ رأس مالك، فللمسلم أنْ لا يجيبه.
وفيه وجه. ولو حل الأجل بموت المسلم إليه في أثناء المدة والمسلم فيه منقطع جرى القولان، ذكره في "التتمة"، قال: وكذا لو كان موجوداً عند المحل وتأخَّر التَّسْليم لغيبة أحَدِ المُتَعَاقدين، ثم حضر والمُسَلم فيه منقطع، ولو انقطع بعض المُسَلّم فيه فقد ذكرنا حكمه في "تفريق الصَّفْقة"، ولو أسلم في شيء عام الوجود عند المحل ثم عرضت آفة علم بها انقطاع الجِنْس لدى المَحل، فيتنجّز حكم الانقطاع في الحال، أو يتأخر إلى المحل، فيه وجهان: أحدهما: يَتَنَجَّز حتى يَنْفَسخ العقد على قول، ويثبت الخِيَار على الثَّاني لتحقق العَجْز في الحال.
(١) قال النووي: هذا هو الصحيح، وذكر صاحب التتمة في باب التفليس وجهين في أن هذا الخيار على الفور أم لا كالوجهين في خيار من ثبت له الرجوع في المبيع بالإفلاس.