للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرط (١)؟ فيه طريقان:


(١) كل عيب يحدث عند المشتري فهو من ضمانه، أما أن كل عيب يظهر أنه كان عند البائع فهو من ضمانه. وإذا كان الفقهاء في الأولى قد اتفقت كلمتهم على أنه لا يجوز أن يكون شيء من العيوب التي تحدث عند المشتري من ضمان البائع، ولو بشرط يشرطه على نفسه إلا الإمام مالك في عهدة الرقيق خاصة. فإنهم في الثانية قد اتفقوا على أنه يجوز للبائع أن يخلي ذمته من العيوب التي قد تكون بالمبيع، وهو في حوزته فيصبح غير ضامن لها. وتكون من ضمان المشتري نفسه، فلا يحق له الرجوع بالمبيع على البائع. وهذا يكون بشرط البراءة من العيوب. وهو أمر متفق عليه في جملته مختلف في تفصيله وشروطه. وإنما اتفقوا على أنه من ضمان المشتري في هذه الحالة؛ لأن العلة في عدم ضمانه العيب القديم غير متوفرة هنا. وهذه العلة هي عدم الرضا بالمبيع معيباً لأنه أول خيار العيب قد دخل في العقد على ظن سلامة المبيع من العيوب. ولكن البائع لما باعه شارطاً براءته من العيوب التي قد تكون موجودة بالمبيع وقت البيع وقبل المشتري البيع على هذا الشرط كان داخلاً في العقد، وهو يفرض المبيع معيباً بالفعل، فكان راضياً به على أي وصف كان معيباً أو سليماً. ثم الحاجة قد تدعو إلى هذا النوع من البيوع، فقد تكون بالبائع حاجة إلى أن يتصرف في الثمن حالاً ويصعب عليه تحصيله فيما لو ورد المبيع عليه بسبب عيب من العيوب التي قلما يخلو عنها شأن المبيع، ولا يرضى بأن تشتغل ذمته باستدانته. والمشتري بعد هذا هو المقصر في عدم فحص المبيع بدقة وعناية واستعانته بأهل الخبرة إن لم يكن أهلاً لذلك، سيما والبائع قد أعذر إليه بهذا الشرط، وفي هذا الأعذار ما يحمله على بذل مجهود أوفر في تقليب السلعة وتفتيشها. ومعنى البراءة من العيوب هو أن يقول البائع للمشتري: بعتك هذه السلعة على أني بريء من كل عيب يظهر بها، أو على ألا ترد علي بعيب مثلاً، ويقبل المشتري البيع على هذا الشرط. وقد اختلف الفقهاء في مدى شرط البراءة من العيوب.
فقالت الحنفية: يصح البيع بشرط البراءة من كل عيب وسواء سمى العيوب أو لم يسمها ظاهرة أو خفية، علم بها البائع وقت البيع أو لم يعلم بها. وقد أيدوا رأيهم هذا بأن الرد بالعيب حق المشتري وحده، وقد قبل البيع ملتزماً إسقاط هذا الحق فيعمل بالتزامه، وهذا الدليل كما ترى جار في كل عيب.
وقالت الشافعية: على الراجح لديهم لو شرط البراءة من العيوب فإنه لا يبرأ إلا من عيب باطن بالحيوان لم يعلمه. والمراد بالباطن ما لا يطلع عليه غالباً. فالشرط عندهم في براءة البائع إذا باع على البراءة ينحصر في كل عيب خفي إذا كان بالحيوان فقط، ويكون البائع مع ذلك غير عالم به وقت البيع، فإن اختل أحد هذه الشروط فشرط البراءة غير صحيح. وقد احتج الشافعية لمذهبهم بأن قبول المشتري البيع على هذا الشرط إبراء للبائع من ضمان العيوب التي قد توجد بالمبيع، وهو عنده وهذه العيوب مجهولة للمشتري، لأن الفرض أنه غير عالم بها والإبراء من المجهول لا يصح شرعاً؛ لأن الإبراء تمليك، وتمليك المجهول لا يصح باتفاق غاية ما هناك خرج عن هذا الأصل صورة واحدة. وهي ما إذا كان العيب خفياً بحيوان ولم يعلم به البائع. للدليل وهو ما روى مالك في الموطأ: "أن ابن عمر -رضي الله عنه- باع غلاماً بثمانمائة درهم، وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه وهو زيد بن ثابت لعبد الله بن عمر: بالعبد داء لم تسمه لي، فاختصما إلى عثمان -رضي الله تعالى عنه- فقضى على ابن عمر أن يحلف لقد =

<<  <  ج: ص:  >  >>