للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُثْبِتْ لَهُ الْخِيَارَ بِالْغَبْنِ، وَلَكِنْ أَرْشَدَهُ إِلَى شَرْطِ الْخِيَارِ، ليَتَدَارَكَ غَبْنَهُ عَنْدَ الْحَاجَةِ" (١).

إذا تقرَّرَ ذلك فلو اشْتَرى زجاجة وهو يَتَوهّمُها جوهرة بثمن كبير فلا خيار له ولا عبرة بما لحقه من الغَبْن؛ لأن التقصِير من جهته حيث جرى على الوَهْم المجرد، ولم يراجع أهل الخبرة.

ونقل المُتَوَلِّي وجهاً: أنه كشراء الغائب، والرؤية التي لا تفيد المعرفة ولا تنفي الغرر كالمعدومة، ولك أن لا تستحسن لفظ الكتاب حيث قال: "ولو اشترى جوهرة رآها"، وتقول: ليس التصوير فيما لو اشترى جوهرة، وإنما التصوير فيما لو اشترى زجاجة توهمها جوهرة، -والله أعلم-.

قال الغزالي: هَذِهِ أَسْبَابُ الخِيَارِ وَمُوجِبَاتُهُ (أَمَّا دوَافِعُهُ وَمُسْقِطَاُتُهُ) أَعْنِي في خِيَارِ النَّقْصِيَة فَهِيَ أَرْبَعَةٌ: (الأَوَّلُ) شَرْطُ الْبَرَاءَة مِنَ العَيْبِ صحِيحٌ عَلَى أَقْيَسِ القَوْلَيْنِ، وَيفْسَدُ (ح) العَقْدُ بِهِ عَلَى القَوْلِ الثَّانِي، وَيصِحُّ العَقْدُ وَيلْغُوَ الشَّرْطِ (ح) في قَوْلٍ ثَالِثٍ، وَيصِحُّ في الحَيَوَانِ وَيفْسَدُ في غَيْرِهِ (ح) في قَوْلٍ رَابعٍ.

قال الرافعي: إذا باع بشرط أنه بريء من كل عيب بالمبيع، هل يصح هذا


= المجرى، ولا اعتبار بقصر ابن حزم هذا الحق على من قال لا خلابة، فإنه تعنت ظاهر لا دليل عليه سوى التمسك بحرفية النصوص. ومقتضى ذلك أنه إن لم يكن هناك غبن واقع على من شرط هذا الشرط، فلا رد له؛ لأنه قد سلم له ما شرط. وهذا هو عين ما روي عن الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- حيث قال فيمن قال عند البيع لا خلابة: "أرى ذلك جائزاً وله الخيار إذا كان خلبه، وإن لم يكن خلبه فليس له خيار". وأما قول ابن حزم إنه يكون بالخيار مطلقاً ما دام قد قال عند البيع لا خلابة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جعل حبان بالخيار مطلقاً، ولم يقل له أنت بالخيار إذا غبنت فقول عجيب لأن معنى لا خلابة لا خديعة فما دام لم يخدعه فقد وفي له بما شرط، فكيف يكون له الخيار؟ فلا جرم كان معنى قوله -عليه الصلاة والسلام- ثم أنت بالخيار ثلاثاً -على التقييد بما إذا كانت هناك خلابة. والقول بخلاف هذا يجعل كلمة لا خلابة مجرد كلمة، تقال عند البيع لإثبات الخيار من غير نظر إلى معناها، وما تدل عليه أو بعبارة أخرى طلسم لجلب الخيار. وقد اعترض بعضهم على الحديث بأن بجميع الروايات التي صرحت بالخيار من طريق محمد بن إسحاق، وهو مدلس، ولكن صرح النووي في المجموع بأنه إنما يرد من رواية المدلس الرواية المعنعنة، وروايات ابن إسحاق هنا مصرح فيها بالسماع، فتكون مقبولة عند جمهور المحدثين، واعترض بعض آخر بأن الخيار كان خصوصية لحبان كما أنه كان لا يدع التجارة، وكان في عقدته ضعف، ويكفينا في الرد عليهم أن الأصل في التشريع هو العموم، فلا يعدل عنه إلا لدليل قاطع وكل ما ذكروه إنما هو من قبيل التخرص والتخمين. ينظر المحلى (٨/ ٤٤٣)، بدائع الصانع (٦/ ٣٠)، الخيار للشيخ مندور الشرح الكبير (٤/ ٦٩).
(١) تقدم حديث حبان.

<<  <  ج: ص:  >  >>