للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= باعه وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف، وارتجع العبد، فباعه بألف وخمسمائة فدل قضاء عثمان على صحة البراءة من العيب في بيع العبد إذا لم يعلم بعيبه البائع، وقيس بالعبد سائر الحيوان، بقول الإمام الشافعي -رضي الله عنه-: "ولأن الحيوان يفارق ما سواه لأنه يفتذى بالصحة والسقم، وتحول طباعه، وقلما يبرأ من عيب يظهر أو يخفى فدعت الحاجة إلى التبرئ من العيب الباطن فيه؛ لأنه لا سبيل إلى معرفته وتوقيف المشتري عليه". فعند الشافعي ليس غير الحيوان كالحيوان، لأنه لا تحول طباعه كتحوله، وليس الظاهر كالباطن، لأن البائع غير معذور في الجهل به.
وقالت المالكية: على المشهور عندهم: لا ينتفع البائع بالبراءة من العيوب إلا في بيع الرقيق خاصة بشرطين ألا يعلم بالعيب وقت البيع، وأن يكون مع ذلك قد مكث عنده مدة تكفي في العادة لظهور ما قد يكون به من العيوب. فلو باعه فور شرائه مثلاً شارطاً البراءة من العيوب لم يصح هذا الشرط. وحجتهم على ذلك هي قصة عبد الله وزيد المتقدمة؛ لأن موردها كان عبداً فاقتصر عليه، وبقي ما عداه على القياس وهو ضمانه من البائع.
وأما الحنابلة: فعندهم روايتان؛ أولاهما لا يبرأ البائع إلا من كل عيب علمه المشتري دون ما جهله، وثانيتهما يبرأ من كل عيب لم يعلمه هو وقت البيع. أما الرواية الأولى، فهي محل وفاق وليست تمس موضوع النزاع، اللهم إلا من ناحية الأنكار له كلية إذ مفهوم هذه الرواية أن شرط البراءة من العيوب التي يجهلها المشتري غير صحيح مطلقاً، ولعل حجتهم هو الجهل بالمبرأ منه، وأما الرواية الثانية، القائلة ببراءة البائع من كل عيب لم يعلم به وقت البيع فحجتهم عليها هي القصة المذكورة أيضاً، ولم يروا فارقاً بين الحيوان وغيره، وليس في القصة أكثر من أن موضوعها كان عبداً، ولم يكن هذا إلا من قبيل المصادفة، فلا يصح أن نتمسك بمعناها الضيق المحدود بل كل ما يثبت أنه من معناها فهو من مشمولها. والذي يؤخذ من قضاء عثمان إنما هو شرط عدم علم البائع بالعيب حين البيع إثباتاً لحسن نيته وفراراً من الغش والتدليس والتحايل على أكل أموال الناس بالباطل. فنقول اتفق الحنفية والشافعية على مقدمتين:
الأولى: أن التمليك لا بد فيه من العلم بالمملك، فلا يصح تمليك المجهول للغرر لعدم القدرة على التسليم.
والثانية: أن الإسقاط لا يشترط فيه العلم بالساقط لأن الساقط يتلاشى من تلقاء نفسه فليست هناك حاجة إلى التسليم. واختلفوا في الإبراء هل هو تمليك أو إسقاط؟ فقالت الحنفية هو إسقاط؛ لأنه لا يحتاج إلى قبول فكان كالطلاق، والعتاق المتفق على أنهما إسقاط ولذا لو طلق نساءه أو أعتق عبيده، وهو لا يعلمهم صح طلاقه وعتقه بلا خلاف. وقالت الشافعية هو تمليك لأنه يرتد بالرد، ولا يصح تعليقه كما لو أبرأ مديونه من دينه، فقال المديون لا أقبل أو قال إن جاء فلان من سفره مثلاً فقد أبرأتك مما لي عليك، فإن الإبراء لا يصح في الصورتين، وهذا أمارة أنه تمليك لا إسقاط، إذ الإسقاط لا يبطل بالرد ولا بالتعليق اتفاقاً. إذا فهمت ذلك علمت أن الفريقين متفقان على أن الإبراء فيه آثار من التمليك وآثار من الإسقاط، والاختلاف بينهم في إلحاقه بأيهما تبعاً لقوة هذه الآثار وضعفها على حسب ما يتراءى لكل منهم، ونحن إذا ما نظرنا في الأمر نظرة فاحصة سابرة فإنه يتبين لنا أن الإبراء تنازل من صاحب الحق عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>