للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تكلمنا فيه من قبل. وأما مسألة الغَبْن (١): فاعلم: أن مجرد الغَبْن لا يثبت الخيار وإن تفاحش، خلافاً لمالك حيث قال: إن كان الغبن فوق الثلث ثبت الخيار للمغبون، ونقل بعض أصحاب أحمد مثله، وقدره بعضهم بما فوق السدس.

وفي كتب أصحابنا عنه إن كان المغبون ممن لا يعرف المبيع ولا هو ممن لو توقف لعرفه ثبت الخيار. لنا قصة حبان بن مُنْقذ -رضي الله عنه- "فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ


= شبيهاً بالمدلس. وإن لم يثبت علم البائع بفرضه، فلا خيار للمشتري؛ لأنه ليس حينئذ إلا الغبن، وهو لا يوجب الخيار عندهم كما سبق توضيح هذا.
(١) الغبن في اللغة هو النقص، والمراد به في اصطلاح الفقهاء أن يكون أحد العوضين في البيع مقابلاً بأقل مما يساويه باعتبار القيمة. كمن يشتري ما قيمته مائة بمائة وثلاثين أو بسبعين. فمعنى خيار الغبن علي هذا هو ثبوت حق فسخ البيع، أو إمضائه لمن وقع عليه غبن من المتعاقدين .. كالمشتري في الحالة الأولى، والبائع في الثانية في المثال المذكور. وشرط ثبوت هذا الخيار للمغبون ألا يكون على علم بالغبن وقت البيع، وأن يكون الغبن مع ذلك غبناً فاحشاً لا يتغابن التجار بمثله في العادة، وإلا فلا خيار له إما لرضائه بالغبن وقت البيع، وإما لأنه يسير لا يرفع العقد من أجله.
والعلماء: على أن البيع مع الغبن صحيح لم يخالف في هذا إلا بعض الظاهرية -فإنهم أبطلوا البيع لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن إضاعة المال، والمشتري الشيء بأكثر من قيمته، والبائع له بأقل من قيمته كلاهما مضيع لماله وسواء عندهم علم العاقدان بالغبن وتراضيا به أو لم يعلماه. وهذا مذهب غريب ويكفينا في الرد عليه أن ابن حزم وهو المعروف بغيرته على مذهب الظاهرية والدفاع عنه أحر دفاع لم يرتض هذا الرأي، فقال ما حاصله إن دليلهم هذا لو صح ما شمل إلا حالة واحدة، وهي حالة الجهل بالغبن، أما حالة العلم به فالدليل بعيد عنها كل البعد. وليس هذا من قبيل إضاعة المال أو السرف فيه، إنما يكون هذا في المحرم الذي حرمه الله أو رسوله، والبيع بغبن ليس منه. نعم لو كان العاقد محجوراً عليه التصرف بسوى المصلحة الراجحة فباع بغبن فاحش فبيعه غير صحيح لأنه لا مصلحة مع الغبن الفاحش، وذلك كالولي في مال الصبي والوكيل في مال الموكل.
وإذا كان: من الثابت أن البيع صحيح مع الغبن الفاحش فهل للمغبون من العاقدين الخيار أم ليس له الخيار؟ يرى ابن حزم أن الخيار مشروع لمن غبن من العاقدين في البيع أو الشراء؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- جعل لحبان بن منقذ الخيار ثلاثاً إذا قال لا خلابة، فكان البيع بغبن صحيحاً وللمغبون الخيار. وأيضاً الغبن كالعيب كلاهما ينقص القيمة وقد ثبت الخيار للعيب فيثبت للغبن كذلك. وذهب الشافعية والمالكية والحنفية إلى عدم ثبوت الخيار للغبن في الجملة. محتجين بالكتاب والسنة والمعقول أما الكتاب فقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} والبيع مع الغبن تجارة عن تراض، وعقد فيكون لازماً واجب الوفاء، وليس هناك مانع يمنع من هذا من شرط يشترطه العاقدان، أو مانع يكون ثابتاً بالعرف كشرط السلامة من العيوب. وأما السنة فما روي من أن حبان بن منقذ كان يغبن في البياعات فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خَلاَبَةَ وَلَكَ الخِيَارُ ثَلاَثاً" حيث لم =

<<  <  ج: ص:  >  >>